المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    وزارة الخارجية: العدوان الصهيوني على الحديدة يعكس فشل الكيان الغاصب في كسر الموقف اليمني

    أدانت وزارة الخارجية والمغتربين بأشد العبارات عدوان الكيان الصهيوني...

    المجاعة في غزة: سلاح إبادة بطيء يفتك بالمدنيين

    في المشهد القاتم الذي ترسمه آلة الحرب الإسرائيلية في...

    سقوط إيلات: كيف كشفت الضربات اليمنية الضعف البنيوي لـ”إسرائيل”؟

    في 20 تموز/ يوليو2025، أُعلن رسميًا إغلاق ميناء إيلات...

    حماس ترحب بالبيان الدولي المشترك الذي يدعو لوقف الحرب على غزة وتدعو لتحويله إلى خطوات عملية

    أعربت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن ترحيبها بالبيان المشترك...

    خطاب أبو عبيدة.. صفعة سياسية وعسكرية تهز الکیان الإسرائیلی وتفضح عجز بعض الأنظمة العربية

    في لحظة فارقة من الصراع المحتدم على أرض غزة، أطلّ أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، بخطاب غير اعتيادي شكّل نقطة تحول في المشهد السياسي والعسكري. لم يكن خطابه الأخير مجرد بيان عابر، بل كان صرخة تحدٍّ موجّهة إلى الاحتلال الصهيوني وإلى بعض الأنظمة العربية التي آثرت الصمت، في وقتٍ تعيش فيه غزة واحدة من أكثر لحظاتها التاريخية قسوة.

    هذا الخطاب، الذي حمل نبرة قاطعة ورسائل صادمة، فضح هشاشة الصهاينة أمام مقاومة صامدة، وألقى الضوء على خيانة وتخاذل بعض الأنظمة في محيط غزة، كما كشف عن الوجه الحقيقي للمجتمع الدولي المتواطئ. أبو عبيدة لم يكتفِ بفضح الواقع، بل رسم خريطة صراع جديدة: المزيد من الأسرى، المزيد من الضغط على حكومة نتنياهو، ومزيد من الحرج لتلك الأنظمة المطبّعة. هنا، نحلّل أهم محاور هذا الخطاب المصيري وتأثيراته السياسية والميدانية، لنقف على أبعاده التي قد تغيّر مسار الأحداث في غزة والمنطقة.

    ضغط على نتنياهو.. معركة الرأي العام الصهيوني

    أولى رسائل أبو عبيدة كانت موجهة مباشرة إلى قلب إسرائيل، عبر تحميل نتنياهو المسؤولية الكاملة عن فشل مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى. في ظل غضب متصاعد لعائلات الجنود الأسرى، ومظاهرات متكررة في شوارع تل أبيب، جاء الخطاب ليحاصر نتنياهو سياسيًا ويزيد الانقسام داخل ائتلافه المهترئ. أبو عبيدة لم يكتفِ بالخطاب السياسي، بل لوّح مجددًا بإمكانية أسر المزيد من الجنود، مستشهدًا بعمليات نوعية أظهرت هشاشة الجيش الصهيوني.

    هذا التهديد لم يكن دعاية إعلامية فحسب، بل رسالة تكتيكية بأن المقاومة مستعدة لتحويل ساحة المعركة إلى مصدر استنزاف بشري ومعنوي للاحتلال. الأرقام الصادمة – مئات القتلى والجرحى من الجنود في أقل من أربعة أشهر، وارتفاع حالات الانتحار والأمراض النفسية – تزيد الضغط على القيادة الصهيونية، وتجعل كل يوم يمر في غزة عبئًا أثقل على الكيان الاسرائیلی. بهذا، وضع أبو عبيدة نتنياهو أمام خيارين كلاهما مرّ: إطالة حرب تُنهك الجيش، أو الرضوخ لمعادلات المقاومة.

    صمت بعض الأنظمة العربية.. شراكة في الجريمة

    في نبرة غير مسبوقة، وجّه أبو عبيدة اتهامات مباشرة وصادمة إلى بعض الأنظمة العربية والإسلامية، محمّلًا إياها مسؤولية الدم الفلسطيني الذي يسيل في غزة. أشار بوضوح إلى أن صمت هذه الأنظمة، بل وتواطؤ بعضها، هو ما أعطى الضوء الأخضر للاحتلال لارتكاب جرائمه بلا خوف من تبعات. أكثر من 561 يومًا من المجازر، والملايين من الشعوب تتابع بينما تكتفي هذه الأنظمة بالتصريحات الجوفاء أو الصفقات الخفية.

    أبو عبيدة لم يطلب جيوشًا، رغم أن ذلك حق مشروع، بل طالب فقط بكسر الحصار وتوفير الماء والغذاء والدواء، وهو الحد الأدنى من التضامن الإنساني. الرسالة كانت واضحة: الأنظمة التي تلتزم الصمت، أو تلك التي تطبّع مع الاحتلال، تتحمّل وزر الجريمة إلى جانب (إسرائيل). هذا الخطاب العنيف فضح عمق الهوّة بين الشعوب الغاضبة وحكوماتها المتخاذلة، مما قد يفتح الباب أمام تصعيد شعبي يضغط على تلك الأنظمة ويحرجها أمام جماهيرها.

    انكشاف الغرب.. سقوط شعارات الحرية

    أبو عبيدة لم يوفّر الغرب في خطابه، حيث عرّى ازدواجية المعايير التي تمارسها القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة. العالم الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان، يقف اليوم متواطئًا مع إسرائيل في جرائمها، بل ويدعم خططها للتهجير القسري لأهالي غزة، في خرق فاضح للقانون الدولي.

    الخطاب سلّط الضوء على سقوط ما يسمى “النظام الليبرالي العالمي”، حيث لم تعد مبادئ الحرية والمساواة سوى أدوات انتقائية تُستخدم لخدمة مصالح القوى الكبرى. الرسالة كانت قاطعة: لا أمل في عدالة دولية طالما أن العالم يخضع لمحور أمريكي ـ غربي يحمي المجرمين ويغضّ الطرف عن معاناة الأبرياء. هذه الحقيقة، التي كشفها أبو عبيدة بوضوح، قد تعزز الوعي الشعبي عالميًا وتزيد من موجة الاحتجاجات في العواصم الغربية، التي بدأت بالفعل تشهد حركات تضامن مع غزة تفوق ما تفعله بعض الأنظمة العربية والإسلامية، وتفضح عجزها.

    دعوة للشعوب

    خطاب أبو عبيدة حمل أيضًا دعوة مباشرة للشعوب العربية والإسلامية، وحتى شعوب الغرب، لمضاعفة جهودهم لكسر الحصار عن غزة. اللافت أن الخطاب أظهر تقديرًا لحركات التضامن الغربية، التي فاقت في بعض الأحيان تفاعل الشعوب في محيط غزة، ودعا إلى تحويل الغضب الشعبي إلى فعل منظّم يمكنه كسر قيود الصمت الرسمي.

    الرسالة إلى الشعوب لم تكن مجرد تحريض، بل كانت تحميلًا لها مسؤولية تاريخية: إذا تخلّت بعض الأنظمة العربية عن واجبها، فإن الجماهير مطالبة بأن تكون صوت غزة وأداتها في فضح الاحتلال. هذا التحريض الشعبي، الذي قد يشعل مظاهرات واعتصامات ضخمة، يشكل ضغطًا مزدوجًا على (إسرائيل) وحلفائها، وعلى تلك الأنظمة التي تحاول الهروب من مسؤولياتها. أبو عبيدة أشار بوضوح إلى أن المقاومة تراهن على قوة الشعوب أكثر من رهاناتها على الحكومات، معتبرًا أن الشارع هو من يملك القدرة الحقيقية على تغيير المعادلات.

    معادلة جديدة… المقاومة تفرض شروطها

    وضع أبو عبيدة معادلة جديدة للصراع: المقاومة لن تلقي السلاح، وستستمر في استنزاف جيش الاحتلال، وستستخدم ورقة الأسرى كأداة ضغط تفاوضية. هذه المعادلة تقلب الموازين، فبدل أن تكون المقاومة في موقع دفاع يائس، أصبحت هي الطرف المبادر، القادر على فرض كلفة بشرية وسياسية على (إسرائيل) تجعلها تفكر ألف مرة قبل أي خطوة.

    أبو عبيدة أرسل أيضًا رسالة إلى “الخونة” الذين تعاونوا مع الاحتلال، ملوّحًا بأن باب العودة مفتوح، لكن الوقت ينفد. المعنى الضمني هنا أن الصراع دخل مرحلة جديدة: إمّا الاصطفاف مع الأمة ومقاومتها، أو مواجهة عزلة وغضب الشعوب. هذه الرسائل مجتمعة توضح أن المقاومة، رغم كل الحصار والدمار، ما زالت تملك زمام المبادرة، وأن خطاب أبو عبيدة لم يكن مجرد ردّ فعل، بل خطة إستراتيجية لإعادة صياغة المشهد السياسي والميداني.

    في الختام، خطاب أبو عبيدة الأخير ليس مجرد كلمة عابرة في سياق حرب طويلة، بل هو وثيقة سياسية وعسكرية تضع النقاط على الحروف. لقد فضح الاحتلال الصهيوني وأزماته الداخلية، عرّى عجز بعض الأنظمة العربية وصمتها المريب، وأسقط القناع عن الغرب الذي يتغنى بالحرية بينما يرعى جرائم الکیان الاسرائیلی.

    في الوقت ذاته، قدّم الخطاب خريطة طريق للمقاومة، عنوانها: الاستنزاف المستمر، تصعيد الضغط عبر الأسرى، وتعبئة الشعوب كسلاح بديل عن الأنظمة. هذه الرسائل مجتمعة تجعل الخطاب حدثًا مفصليًا، ليس فقط في مسار معركة غزة، بل في صياغة وعي سياسي جديد لدى الجماهير العربية والعالمية. السؤال الآن: هل تتحرك الشعوب وتضغط على الأنظمة لتغيير قواعد اللعبة، أم تبقى غزة وحدها، لتواصل مقاومتها حتى ينهار الاحتلال تحت وطأة صمودها واستنزافها؟

    المصـــــــــــدرالوقت التحليلي
    spot_imgspot_img