في مشهد يختزلُ حجمَ المأساة وسقوط القيم، نرى أطفالَ غزة وقد تحوّلت أمعاؤهم الصغيرة إلى مقابر للجوع، وجلودهم الغضّة إلى خرائط للعذاب، بينما العالم يشاهد بصمت، والعالم الإسلامي يكتفي بالأنين، والدعاء، وبعض بيانات الإدانة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
الصور القادمة من غزة لم تعد تحتمل أي تبرير، فالأطفال هناك لا يجدون طعامًا، يشربون ماءً ملوّثًا، ويأكلون التراب، بينما تقصف طائرات الاحتلال بيوتًا فوق رؤوسهم، وتُحاصرهم المجاعة من كُـلّ جانب.
هل يُعقل أن يقف ملياران من المسلمين، بكل دولهم، وثرواتهم، وجيوشهم، عاجزِين عن فعل شيء؟!
أيُّ خنوع هذا؟ وأيَّةُ ميتة للضمير نشهدها؟
غزة ليست بحاجة إلى دموعنا، بل إلى وقفة حقيقية
كم مرة قلنا “حسبُنا الله ونعم الوكيل”؟
كم مرة أعدنا نشرَ صور الأطفال الشهداء؟
كم مرة بكينا على مشهد أُمٍّ تحتضن طفلها المذبوح؟
كُـلّ ذلك لا يكفي.
غزة ليست بحاجة إلى منشورات وعواطف، بل إلى إرادَة تحَرّك الساكن، وإلى غضب يزلزل العروش الصامتة.
مليارا مسلم يملكون أن يُغيّروا وجه الأرض إن أرادوا، لكنهم – حتى الآن – لم يريدوا!
الأنظمة تتواطأ والشعوب تُقيد
لا يمكننا الحديث عن مأساة غزة دون الحديث عن الأنظمة المتواطئة، التي تفتح الأجواء لطائرات العدوّ، وتغلق المعابر على أطفال غزة.
أنظمة طبّعت، وصافحت، وتاجرت بالدم الفلسطيني، حتى صار الطفل الغزيّ أرخص من ورقة بيان.
أما الشعوب، فهي مقيدة، ممزقة، تُخدَّر بوسائل الإعلام، وتُرهب بالقوانين، حتى صارت لا تجرؤ على الخروج إلا بإذن.
بين الواجب والعار:
نحن – كأمة – أمام مفترق طرق: إما أن ننهضَ لنصرة غزة بحق، وإما أن نقبَلَ العار، ونرضى بأن نُسجَّلَ في صفحات التاريخ كشهود زور على أكبر جريمة تجري في زماننا.
أطفال غزة لا يسألون عن بيانات، ولا ينتظرون خطبًا، بل يريدون الخبز، والماء، والحياة، ويريدون من أمتهم أن تكون أُمَّـة لا تموت وهي حيّة.
الترابُ الذي يأكلُه أطفال غزة اليوم، هو اختبار لكل ضمير حي.
فإما أن نكون معهم، أَو نكون مُجَـرّد متفرجين جبناء، لا فرق بينهم وبين من أطلق النار.
هل ما زال فينا من ينهض؟ أم أن التراب سيكون نصيبَنا جميعًا، ولكن بعد فوات الأوان؟