الرئيسية أخبار وتقارير ما أصدق اليمني إن عشقَا..

ما أصدق اليمني إن عشقَا..

“خاص”

أبعد من كلمة مسيرة أو تضامن، نحن أمام واحدة من أكبر وأطول موجات التضامن الشعبي في العالم، ولا توجد قيادة على وجه الأرض بإمكانها المواظبة على حشد هذا الطوفان البشري الهائل أسبوعا بعد أسبوع وعلى مدى أشهر.. قيادة مرعبة إن دعت فالتلبية تصدر من منظومة شعبية وأمنية ووجدانية، ومن يتأمل مشاهد السيول البشرية يدرك أن القدرة على جمع هذه الأعداد الهائلة، وتنظيمها، وحمايتها أمنيا، هو أقرب ما يكون لعمل خارق.

وراء هذه الحشود عشرات الآلاف من رجال اللجنة المنظمة والأجهزة الأمنية والسلطة المحلية، هذا الميدان أمامكم مؤمن ليس لساعات الحشد فقط، بل طوال الأسبوع وعلى مدار الساعة كل جسم يمر فيه هو بعين الرقابة.

وراء الحشود عشرات الآلاف من الأسر التي تقاطر أفرادها بانضباط من العامين إلى الثمانين وأكثر حاملين ما معهم من مقتنيات وروح وجسد وسط كل الظروف، يوقعون شهادة وفاة الصمت والخذلان، ويرسمون بحشودهم أعظم وأكبر رئة معنوية يتنفس بها المقاومون في غزة، يستمدون منها النهار عندما يصب الليل عليهم كل معاني الخذلان.

لا داعي لذكر الدوافع فالحمية والكرامة والعزة والإسلام والأخلاق ومدد ولا تبالي من مفردات الإنسانية والفطرة لا تكاد تُرى إلا هنا، عندما يكتب التاريخ حدثاً بحجم غزة وفلسطين ستجد أصدق العاشقين.

وما أصدق الشاعر اليمني الحبيب معاذ الجنيد عندما لامس نَفَسَ الشاعر العباسي حبيب بن أوس المعروف بأبي تمام والشاعر المعاصر الفقيد عبدالله البردوني، فالثلاثة تحدثوا عن الأصدق من وجهة نظرهم، فأبو تمام تباهى بعد فتح عمورية -بسبب “وامعتصماه”- وبسبب المنجمين الذين نصحوا المعتصم بأنه لن يستطيع فتحها إلا في الصيف، فقال أبو تمام: ((السيف أصدق أنباءً من الكتب.. في حده الحد بين الجد واللعب))…

وبعد ألف عام وبعد النكبة والنكسة لفلسطين والعرب، جاء البردوني بقصيدة “أبو تمام وعروبة اليوم” وفيها يجاري ويعارض قصيدة أبو تمام… فقال البردوني: ((ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذبُ.. وأكذب السيف إن لم يصدق الغضبُ)).. واليوم الشاعر اليمني الأصيل معاذ الجنيد في قصيدة “‏حوار مع البحر” يقول: ((عَشِقَ الرسول فجاد من دمهِ.. ما أصدق اليمنيّ إن عَشِقا))، وفيها تغلب الجنيد على البردوني وأبو تمام ولو كانوا بيننا لسلموا بذلك.. فليس السيف أصدق الأنباء، وليس أكذب السيف إن لم يصدق الغضب، و“الأصدق” ليس متى تصدق السيوف أو تكذب والتي قدمها الشاعرين.. بل بالروح التي تعشق نهج الله ورسوله الأكرم فتصبح أصدق سلاح يعشق مواجهة الباطل، والسيف يفل، والكتاب يُنسى، أما الروح العاشقة فتبقى نارا تلهب بالعطاء، وهكذا كان الأنصار ومازالوا.

شعبٌ أتى الإسلامُ مُنسجماً….. لصفاتهِ والدينُ مُنطبِقا

عَشِقَ الرسول فجاد من دمهِ… ما أصدق اليمنيّ إن عَشِقا

يستصغرُ الأهوال إن عظُمَت… ويرى الردى نهجاً ومُعتَنَقا

عشق الأنصار فلسطين فكانوا أصدق السيف والأنباء والكتب الخالدة التي لا تفل ولا تنسى في ذاكرة الإنسانية، هذه الحشود اليوم جبهة أخرى من جبهات المقاومة هي جبهة الوعي والضمير والإرادة، وهي رأس الحربة اليوم في إحياء معنى الأمة الواحدة فالقلوب هنا والنبض في غزة، والجسد هنا والروح في غزة.

ونحن نرى اليوم كيف يتعرض معنى الأمة الواحدة لقمع وحشي ويتم اقتياده إلى أقبية التدجين والذل والهوان بقيادة النظام السعودي حامل لواء العار العربي والإسلامي، ومن المؤسف والمخجل والمعيب أن يعلن -النتن ياهو- العدوان على سوريا دعماً “لإخوانه الدروز” -بصرف النظر عن زيف الادعاء- فيما وأمة الملياري مسلم عاجزين عن إدخال شربة ماء لإخوانهم المسلمين في غزة، من المخجل أن يذكِّر المجاهد الكبير “أبو عبيدة” المسلمين بدعم أمريكا والغرب للكيان بقوافل لا تتوقف من الأسلحة والذخائر لقتل إخوانهم في غزة، فيما وأمة الملياري مسلم يشاهدون إخوانهم في غزة يقتلون بعشرات الآلاف ويجوعون ويمنع عنهم الماء والدواء..

من المعيب أن يصل إلى حد تذكيرهم بواجبهم تجاه إخوانهم في غزة ويقيم عليهم الحجة بالمسائلة أمام الله تعالى وتحميلهم مسؤولية دماء وجوع وعطش الملايين من إخوانهم في غزة.. وبالقدر ذلك من المخجل أن تكون يمني ويهيئ الله لك فرصة الموقف الذي يعفيك من السؤال يوم الحساب وترى في الخروج عبئاً أو تؤطره بإطار حزبي ومناطقي وطائفي، ومن المؤسف أن تكون مسلم في أي بلد ويتاح لك المشاركة في معركة مقاطعة البضائع الداعمة لإسرائيل ولا يكون لك أي موقف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحرر السياسي
المشهد اليمني الأول
25 يوليو 2025م

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version