تتزايد الضغوط الأكاديمية على الكيان الصهيوني مع اتساع رقعة المقاطعة التي باتت تطال مؤسساته الجامعية والبحثية، إثر الحرب المستمرة على غزة منذ أكثر من 650 يوماً، وما صاحبها من مجازر وتنكيل متعمد بالمدنيين، وسط تجاهل حكومي رسمي لمفاعيل هذه العزلة المتفاقمة.
وبحسب لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية، فقد تم تسجيل أكثر من 750 حالة مقاطعة مثبتة ضد جامعات الكيان وسلكه الأكاديمي منذ بداية العدوان على القطاع، مشيرة إلى أن وتيرة المقاطعة تصاعدت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، وبلغت ذروتها عقب خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار في مارس الماضي.
وتنوعت أشكال المقاطعة بين ما تصفه اللجنة بـ“الصغيرة” كرفض نشر مقالات أو إلغاء منح، وصولاً إلى مقاطعات كاملة من جامعات وهيئات مهنية ترفض أي تواصل مع الأكاديميين في كيان العدو.
صحيفة هآرتس كشفت أن عشرات الجامعات الأوروبية، وفي مقدمتها الجامعات البلجيكية والهولندية، أعلنت قطع علاقاتها بالكامل مع المؤسسات الأكاديمية التابعة للاحتلال، فيما سجلت حالات مماثلة في إسبانيا والنرويج، وأخرى متفرقة في إيطاليا وإيرلندا وسويسرا.
وقال عمانوئيل نحشون، مدير مكتب مكافحة المقاطعة الأكاديمية، إن بلجيكا تقاطع بالكامل، و80% من جامعات هولندا انضمت للحملة، وهو ما وصفه بـ”الوباء الذي ينتشر في أوروبا الغربية“.
أما “المقاطعة الرمادية” – بحسب توصيف الإعلام العبري – فتأخذ أشكالاً غير معلنة، كعدم الرد على المراسلات العلمية أو عدم تجديد العقود البحثية، في وقت أظهرت مؤشرات أوروبية تراجعاً حاداً في عدد المنح التي تمنح لعلماء الكيان ضمن برامج مثل “هورايزون“، حيث تراجعت نسبة الفوز من 29% إلى 9% فقط خلال خمس سنوات.
وأشار الباحث نوعام سوبيل من معهد وايزمان، إلى أن ما يجري هو “مقاطعة صامتة” لكن فعلها واضح، مضيفاً: “نحن أصبحنا كالبطاقة الحمراء.. الأوروبيون يشاهدون الفظائع التي ترتكب في غزة، وهذا يغيّر مزاجهم”.
وفي السياق ذاته، أكدت ميلّت شمير، نائبة رئيس جامعة تل أبيب، أن المقاطعة باتت منظمة وواسعة في أوروبا تحديداً منذ مارس الماضي، حيث تتلقى جامعتها أسبوعياً ما بين 7 إلى 10 تقارير عن مقاطعة جديدة.
وأعرب أريئيل بورات، رئيس جامعة تل أبيب، عن أسفه لتخلي حكومة نتنياهو عن الجامعات، موضحاً أن مسؤولين كباراً في الحكومة اتهموا الجامعات نفسها بأنها “جلبت المقاطعة بسبب مواقف أكاديمية انتقدت الاحتلال”، وهو ما عده تهرباً من المسؤولية في ظل كارثة قد تهدد مستقبل البحث العلمي.
تحذيرات بورات جاءت مع تقارير عن إمكانية استبعاد الكيان من برنامج “هورايزون“، الأمر الذي سيُلحق “ضرراً هائلاً بمجال العلوم”، وفق تعبيره.
ويُشار إلى أن هذه التحولات تأتي في ظل حرب إبادة غير مسبوقة يقودها كيان العدو الإسرائيلي ضد أكثر من مليوني مدني في غزة، ما أدى إلى انهيار إنساني كامل، ومجاعات متعمدة، وتشريد جماعي، في عدوان دموي تخطى كل الأعراف.
لقد أصبح الكيان الصهيوني اليوم معزولاً أكاديمياً كما هو معزول أخلاقياً، في وقت يواصل فيه شن حربه الوحشية دون مساءلة، بينما تتحرك الشعوب الحرة – من بوابات الجامعات هذه المرة – لإغلاق آخر نوافذ الشرعية الزائفة عن كيان لا يعرف للعلم ولا للقيم أي حرمة.