في موقف صريح وغير مسبوق من داخل المؤسسة الأوروبية ذاتها، وجّه جوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، اتهامًا حادًا لقادة أوروبا بالتواطؤ الصامت مع الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، معتبرًا أن عجزهم عن اتخاذ خطوات رادعة جعل من الاتحاد شريكًا مباشرًا في استمرار الإبادة الجماعية في غزة.
وفي مقال نُشر في صحيفة الغارديان البريطانية، أعرب بوريل عن خيبة أمله العميقة من موقف الاتحاد الأوروبي الذي اكتفى بالتفرّج، بينما تمضي إسرائيل في ذبح وتجويع المدنيين وتدمير كل مقومات الحياة في القطاع المحاصر. وأكد أن المذابح التي تُرتكب في غزة “لا تترك شكًا” بشأن طبيعتها الإبادية، حتى وإن تأخرت المحاكم الدولية في إصدار أحكامها.
ازدواجية قاتلة
لم يخفِ بوريل سخريته المريرة من الازدواجية الأوروبية الصارخة، مشيرًا إلى أن نفس الاتحاد الذي أسرع بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا إثر غزوها أوكرانيا، يتلكأ ويتعمد غضّ الطرف عن جرائم إسرائيل في فلسطين، ما أضعف موقفه في العالم النامي، وترك ساحة الخطاب الأخلاقي خالية للدعاية الروسية في إفريقيا ومنطقة الساحل.
أدوات أوروبية غير مفعّلة
أشار بوريل إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يفتقر إلى الوسائل للضغط على الحكومة الإسرائيلية، بل يمتلك أدوات مؤثرة، منها:
-
اتفاقية الشراكة التجارية التي تمنح إسرائيل امتيازات ضخمة، لكن يُفترض أن تُعلّق بمجرد انتهاكها لمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
-
مكانة الاتحاد كأكبر شريك تجاري ومورد للسلاح لإسرائيل، مما يجعله قادرًا على التأثير إذا توفرت الإرادة السياسية.
-
القدرة على حظر الاستيراد من المستوطنات غير القانونية، ومعاقبة الشخصيات السياسية والعسكرية المتورطة في التحريض على الإبادة، أو تلك التي تخضع لمذكرات توقيف دولية.
اتهامات مباشرة للتقاعس السياسي
عدد بوريل مظاهر التواطؤ الأوروبي، قائلاً إن الاتحاد:
-
لم يعلّق اتفاقية الشراكة رغم تجاوز إسرائيل لبنودها.
-
لم يمنع شحنات الأسلحة رغم أدلة الجرائم.
-
لم يفرض حظرًا على منتجات المستوطنات.
-
لم يعاقب الوزراء والمحرضين الإسرائيليين على تصريحات تدعو للإبادة.
-
لم يمنع نتنياهو من التحليق فوق أراضيه رغم مذكرة التوقيف الصادرة بحقه.
-
لم يدعم القضاة الدوليين والمسؤولين الأمميين الذين تتعرض لهم الولايات المتحدة بالتهديد.
التحذير الأخير
في خاتمة مقاله، دعا بوريل الاتحاد الأوروبي إلى التحرك الفوري دون تأخير لفرض عقوبات على إسرائيل، معتبرًا أن ذلك هو السبيل الوحيد لإيقاف العدوان، وإنقاذ ما تبقى من مصداقية أوروبا السياسية والأخلاقية.
وحذّر من أن الاستمرار في هذا المسار سيعمّق عزلة أوروبا في العالم، ويضعف قدرتها على الدفاع عن نظام دولي متعدد الأطراف، في الوقت الذي تواجه فيه تحديات متصاعدة من الشرق (روسيا) والغرب (الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب).