أعلن أمن المقاومة الفلسطينية أواخر يونيو/حزيران 2025 عن إطلاق قوة ميدانية خاصة تحمل اسم “رادع”، كأداة فاعلة لفرض هيبة القانون، وإنهاء مظاهر الانفلات، وملاحقة العناصر المتورطة في الإخلال بالأمن أو التخابر مع العدو الإسرائيلي.
جاء الإعلان في توقيت بالغ الحساسية، حيث يعيش القطاع حصارًا خانقًا وعدوانًا مستمرًا، وتُمارس ضغوط هائلة على البيئة المجتمعية بفعل ما تصفه المقاومة بـ“الحرب المركبة” التي تستهدف الداخل كما الجبهات. ومن هنا، بدت “رادع” كخطوة استباقية لفرض الاستقرار، وتثبيت الجبهة الداخلية باعتبارها خط الدفاع الأول.
وبحسب البيان التأسيسي الصادر عن أمن المقاومة في غزة بتاريخ 26 يونيو/حزيران، فإن القوة الجديدة تتولى تنفيذ عمليات مباشرة تشمل ملاحقة اللصوص وقطاع الطرق والمحتكرين والعملاء والمتورطين في جرائم أخلاقية أو تهدد أمن الجبهة الداخلية.
وقد تبنّت القوة منذ لحظة انطلاقها سياسة “الضربات المركزة”، متعهدة بخوض معركة مزدوجة: ضد الانفلات الأمني من جهة، وضد “الأيادي الخائنة” التي تتقاطع مع مخططات الاحتلال من جهة أخرى.
وخلال شهر من تأسيسها، نفذت “رادع” سلسلة عمليات نوعية حملت رسائل سياسية وأمنية واضحة، بدأت بفرض حظر تجوال موضعي في مناطق تُصنف “بؤرًا للفوضى”، أعقبها مصادرة أسلحة نارية وأدوات حادة كانت بحوزة مشتبهين.
وفي 28 يونيو/حزيران، أعلنت القوة تدخلها الفوري لفض أعمال شغب نُسبت إلى مجموعة مسلحة يقودها من يُوصف بـ“العميل ياسر أبو شباب”، بعد حادثة إطلاق نار استهدفت مستشفى ناصر في خان يونس. وأشارت القوة إلى أن عناصر المجموعة انسحبوا لاحقًا إلى ما تُعرف بـ”المنطقة الحمراء”، وهي نطاق تحصّن يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي للتمويه والحماية.
وتوالت العمليات تحت عنوان “العقاب الثوري”، حيث نُفذت إعدامات ميدانية بحق 12 شخصًا في 4 يوليو/تموز، بتهم التخابر وسرقة المساعدات والضلوع في أعمال سطو مسلح، في رسالة قاطعة بأن “العبث بالأمن لن يُترك بلا حساب”.
وفي 27 يوليو/تموز، تم تنفيذ عملية نوعية قُتل فيها 6 من عناصر مجموعة “أبو شباب” داخل كراج رفح، ووصفتها القوة بأنها “ضربة تأديبية” ردًا على استهداف عناصر من المقاومة ومحاولة اختراق الجبهة الداخلية”.
أما في أغسطس/آب الجاري، فقد أكدت “رادع” تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة وإحراق مركبات “استخدمت في التخابر وعمليات نهب”، مشددة على أنها “تراقب من تبقى من المجموعة، وتضيّق الخناق عليهم يومًا بعد يوم“.
ومن خلال الأدبيات المعلنة، لا تتبنى “رادع” نموذجًا بوليسيًا تقليديًا، بل تُقدَّم كقوة ذات بعد ثوري أمني مقاوم، تدمج بين العمل الاستخباري والرد السريع، وتعمل تحت مظلة سياسية أوسع عنوانها: تحصين الجبهة الداخلية.
ويرى مراقبون أن “رادع” تمثل استجابة محلية لحالة التفريغ الأمني المقصود الذي يتغذى من الاحتلال، وتسعى لبناء حالة ردع داخلي تمنع انهيار البنية المجتمعية، في ظل حرب متعددة الوجوه.
وتُعد هذه القوة استكمالًا لنهج بدأ مبكرًا في السنوات الماضية لمواجهة العملاء الإلكترونيين، وشبكات التهريب، ومنظومة الاختراق الاجتماعي، لكنها تأخذ الآن طابعًا أكثر علنية وحسمًا، في وقت باتت فيه الحدود بين الأمن الداخلي والمواجهة مع العدو شبه منعدمة.