الرئيسية زوايا وآراء “يا أهل فلسطين.. بيعوا أولادكم واشتروا السلاح.. فقد باعكم العرب”

“يا أهل فلسطين.. بيعوا أولادكم واشتروا السلاح.. فقد باعكم العرب”

بهذه الكلمات القاسية الصادقة، عبّر القائد الأردني عبدالله التل عن خيبة أمله، وهو الذي خاض معارك الدفاع عن القدس وفلسطين عام 1948. قالها بعد أن أيقن من خلال تجربته الميدانية أن الأنظمة العربية لم تكن جادة في خوض معركة التحرير.

وها نحن اليوم، بعد عقود، نُردّد صدى تلك المرارة… فما أشبه الحاضر بالماضي

لم تكن القضية الفلسطينية يومًا مجرد مسألة حدود أو نزاع محلي، بل كانت جوهر الصراع العربي-الصهيوني، وقضية العرب الأولى، أو هكذا زُعِم لسنوات. لكن مسيرة النضال الفلسطيني، على امتداد ما يزيد عن قرن من الزمان، تحفل بمحطات خذل فيها العرب، رسميًا وشعبيًا، هذا النضال الذي لم يتوقف رغم الحصار والتجويع والانقسام والمؤامرات.

في نكبة عام 1948، دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين تحت راية الدفاع عن شعبها، لكنها دخلت متأخرة، مفككة، دون رؤية أو خطة موحدة، وبعضها دخل لحساباته الخاصة. وكانت النتيجة كارثة إنسانية وسياسية، أسفرت عن ضياع الأرض وتهجير مئات الآلاف، في ما بدا أنه تواطؤ صامت أو فشل ذريع.

ثم جاءت نكسة 1967، التي شكلت محطة أكثر مرارة، حيث سقطت القدس ومعها الضفة الغربية، والجولان، وسيناء في أيام قليلة، ولم تطلق بعض الجيوش العربية رصاصة واحدة دفاعًا عن فلسطين. وفي قمة الخرطوم خرج القادة العرب بما سُمي “اللاءات الثلاث”، لكن هذه اللاءات كانت بلا فعل، بلا إعداد، بلا دعم فعلي لحرب أو مقاومة.

وعندما خرج الفلسطينيون ليبنوا قدرهم بأيديهم، من خلال المقاومة، وجدوا أنفسهم في قلب الحرب الأهلية اللبنانية، حيث تحوّل الوجود الفلسطيني المسلح إلى عبء سياسي في نظر بعض الأنظمة. وساهمت أطراف عربية في ضرب المخيمات وتجفيف منابع الدعم، إلى أن جاء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، ليكتمل المشهد بخروج منظمة التحرير وسط صمت عربي مريب.

وحين بدأت الانتفاضات الفلسطينية، الأولى ثم الثانية، لم تحظَ بدعم عربي حقيقي. وبدلاً من تعزيز الموقف الفلسطيني، رأت الأنظمة في تلك الانتفاضات مصدر قلق داخلي، أو تهديدًا لبقاء النظام. أما اتفاق أوسلو فمثّل ذروة الخذلان: لا دعم، لا ضغط على إسرائيل، بل تمهيد للتطبيع، وصياغة واقع جديد اعتُبرت فيه فلسطين “شأنًا فلسطينيًا داخليًا”، بعد أن كانت “قضية العرب المركزية”.

وفي الأعوام الأخيرة، تسارعت موجة التطبيع، بلا حياء أو حسابات وطنية. وقّعت أنظمة عربية اتفاقات علنية مع إسرائيل، بينما كان الفلسطينيون يُذبحون في غزة، ويُهجرون في الشيخ جراح، وتُحرق عائلاتهم في رفح وخان يونس. لم تكتف هذه الأنظمة بالصمت، بل مارست القمع ضد شعوبها إن أرادت أن ترفع صوتها تأييدًا لغزة أو فلسطين.

والأدهى، أن بعض الأنظمة العربية ساهمت بوضوح في تعميق الانقسام الفلسطيني، لا لجمع الصف، بل لتعطيل أي مشروع مقاوم، ولتوظيف الانقسام لصالح تسويات إقليمية لا مكان فيها لحق العودة ولا للقدس ولا لكرامة الإنسان الفلسطيني.

وفي قلب هذه المأساة، يخرج علينا بعض العرب، لا ليعتذروا عن تخلّيهم، بل ليطالبوا حركة حماس بتسليم سلاحها، تحت شعارات جوفاء كـ”الوحدة الوطنية” أو “المشروع السياسي الواقعي”، وكأن تسليم أدوات المقاومة للعدو هو مفتاح السلام، أو أن غزة مدينة في السويد يمكنها خوض معركة دبلوماسية بأوراق فقط. يطالبون حماس بنزع السلاح، وهم لم يقدّموا للفلسطينيين لا سلاحًا ولا غطاءً ولا حتى موقفًا سياسيًا مشرفًا. بل إن بعضهم تورّط في حصار غزة، أو صمت على تجويعها، بل وربما تواطأ أمنيًا ضدها.

أمام كل هذا، لا يزال الفلسطيني يقاتل. يقاوم بالدم، بالحجر، بالكلمة، بالصبر، بالممرات الأنفاقية، بالمخيمات، وبالإصرار الذي لم ينكسر رغم تكالب العالم وتواطؤ القريب قبل البعيد.

فهل آن الأوان لمراجعة هذا السجل الأسود؟ أم أن خذلان العرب لفلسطين صار قاعدة لا استثناء فيها؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. معن علي المقابلة

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version