الرئيسية زوايا وآراء “النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم”

“النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم”

هذه الآية الكريمة تختزل الكثير عن علاقتنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتشدد على المكانة التي يجب أن يحظى بها في نفوسنا، فهو أولى بكل ما نقدمه لبعضنا البعض من احتفالات وطقوس رمزية وغيرها، فالأولى أن نكرم النبي على أنفسنا وأن نحتفل به قبل أنفسنا فمولده أهم وأعظم من كل المناسبات الشخصية والوطنية، والتي يُراد لبعضها أن تكون على حساب المولد النبوي، وفي ذلك جفاءٌ للنبي ولنعمة الهداية التي يمثلها.

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتل مكانة فريدة وعميقة في قلب كل مؤمن، ويجسد قوله تعالى: “النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم” حقيقة تجمع بين البُعد الروحي والعقلي، تعكس مدى أهمية الحب والولاء الذي يجب أن يكنّه المسلم لرسوله.

من المنظور العقلي، تأتي أولوية النبي على النفس البشرية من كونه رسول الله الذي جاء بالهداية والحق، وهو الذي يقود الإنسان إلى الطريق الأمثل للحياة، دنيا وآخرة. فالرسول ليس مجرد شخصية تاريخية أو رمز ديني فقط، بل هو المصدر الأول للتوجيه الأخلاقي والروحي، الذي بامتثاله تتحقق سعادة الإنسان الحقيقية. في هذا السياق، ينبغي أن تكون محبة النبي واتباعه أسمى من أي تعلق شخصي بالنفس، لأنه من خلاله يُنقذ الإنسان ذاته من الضياع والهلاك، أما من الناحية العاطفية والروحية، فمحبة النبي نابعة من الإيمان الكامل به كوسيط بين العبد وربه، ومحور رحمة الله للناس كافة. هذه المحبة تشكل الرابط الروحي الأعمق، فتجعل النبي محور الحياة وموضع المحبة الأولى، فوق أي حب آخر.

هذا المعنى يتجلى بوضوح في طريقة احتفالنا وإكبارنا للنبي، حيث يجب أن يتصدر تكريمه واحتفالاته قائمة أولوياتنا وأعمقها أثرًا، قبل كل المناسبات الشخصية والوطنية. فالمولد النبوي هو مناسبة تعبر عن نقطة تحول جوهرية في تاريخ البشرية، فهو بداية النور والرحمة، وبه تبدأ القيم التي صنعت حضارة راقية وأمة متماسكة، كما أن انحطاط العرب بالذات مرتبطٌ بنسيان النبي وعدم تبجيله واحترامه كما أمر الله، وكما قال هو صلى الله عليه وآله وسلم (والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده).

فالواقع يشهد أن محبة النبي ليست مجرد مشاعر، بل هي منطلق لتماسك المجتمع، ونبذ الفرقة، إذ أن تعظيمه يجعل الأمة في وحدة وتماسك، ويبعدها عن نزاعات الأنا والمصالح الضيقة. وهذه المحبة هي ما يخلق بيئة يسودها التسامح والعدل، ويزدهر فيها التعاون بين المسلمين كافة.

هذه الآية الكريمة تضع مسؤولية مستمرة على كل مؤمن، بأن يجدد العهد مع النبي في كل لحظة من حياته، بتجسيد محبته في الأفعال والسلوك، ليس في الكلمات فحسب. الوفاء للنبي هو اتباع سنته، ونشر حكمته، والعيش في ظل قيمه، وهو بذلك يربط بين الإنسان وربه بطريقة حية وفاعلة.

حقيقة أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليست فقط نصًا دينيًا، بل منطقًا وروحًا، تشكّل قاعدة متينة لفهم أعمق لمكانة الرسول في حياتنا. محبته وولاءنا له يمثلان الطريق الأنجح لتحقيق السعادة الفردية والجماعية، فلنجعل محبة النبي وعلاقته بنا مركزًا لكل فعل واحتفال، فهي ليست مجرد شعور، بل التزام وعيش حقيقي، يؤكد على أسمى معاني الولاء والمحبة والوفاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 محمد محسن الجوهري

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version