المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    بمناسبة المولد النبوي.. صنعاء تعفي مالكي السيارات المتعثرة من الرسوم الجمركية

    أقرّت السلطات في صنعاء، اليوم، تنفيذ توجيهات صادرة عن...

    “إسرائيل” الكبرى” وهدية “نزع سلاح المقاومات”

    كتب بن غوريون أن "إقامة الدولة، حتّى لو كانت...

    تعميم هام من البنك المركزي اليمني الى جميع البنوك وشركات الصرافة (التفاصيل)

    أصدر البنك المركزي اليمني في صنعاء، اليوم الإثنين، تعميمًا رسميًا...

    “إسرائيل” الكبرى” وهدية “نزع سلاح المقاومات”

    كتب بن غوريون أن “إقامة الدولة، حتّى لو كانت على جزء بسيط فقط من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية، سنحطم الحدود التي تفرض علينا، ليس بالضرورة عن طريق الحرب”.

    وما كتبه بن غوريون هو مقدمة لازمة للتعاطي مع تصريحات نتنياهو الأخيرة بخصوص “إسرائيل الكبرى” والتي لم تكن مفاجئة بلحاظ رفعه للخرائط في أكثر من مناسبة، وبلحاظ الشواهد العملية التي تتطابق مع ما ورد في عشرات الابحاث التنفيذية لهذا المخطّط.

    واللافت أن تصريحات نتنياهو الأخيرة عن “إسرائيل الكبرى” أثارت استياء الأنظمة الرسمية العربية التي سارعت إلى إدانة التصريحات وابداء الانزعاج، رغم أن الإجراءات العملية العربية تساهم فعليًّا في هذا المشروع التوسعي الصهيوني والقائم على ركيزتين رئيسيتين هما التوسع الجغرافي بقدر المستطاع وبما يلائم قوة وعدد مستوطني وجنود الكيان، وتوسع النفوذ والهيمنة بإضعاف المحيط وتقسيمه ونزع مقاومته والسيطرة على مفاصل القرار به، وهما إستراتيجيتان يساعد العرب فعليًّا عليهما بسعيهم لنزع سلاح المقاومات والصمت امام جرائم العدوّ وابادته الجماعية وتوسعه العسكري.

    وهنا يجب وضع كثير من النقاط على مشروع “إسرائيل الكبرى” وخلفياته وخرائطه، والشواهد العملية لتنفيذه بشكل جدي في لحظة تاريخية يراها العدوّ “الإسرائيلي” وراعيه الأميركي مؤاتية لكونها تشهد انهيارًا للأمة العربية وتفككها على غرار لحظة وعد بلفور ومسار نشأة الكيان مع انهيار وتفكك الدولة العثمانية.

    وللتعاطي مع هذا الملف يجب مناقشة العناوين الآتية:

    أولًا: “إسرائيل” الكبرى وحدودها

    “إسرائيل الكبرى” أو أرض “إسرائيل” الكاملة هو مصطلح ايديولوجي متعلق برؤية توراتية مزعومة لحدود “إسرائيل”، ويزعم معهد “التوراة والأرض” “الإسرائيلي” في موقعه الإلكتروني أن “أرض “إسرائيل” الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقًا إلى نهر النيل جنوبًا”، وهي مقولة مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904، وهي المعتقدات التي حملها وأصّل لها قادة الحركة الصهيونية منذ بدايتها.

    وخارطة “إسرائيل الكبرى” التي يرفعها نتنياهو، تشمل: كامل فلسطين التاريخية، ومساحتها 27 ألف و27 كيلومترًا مربعًا، ولبنان ومساحته 10 آلاف و452 كيلومترًا مربعًا، والأردن ومساحته 89 ألف و213 كيلومترًا مربعًا، وأكثر من 70 بالمئة من مساحة سورية البالغة 185 ألفًا و180 كيلومترًا مربعًا، ونصف مساحة العراق البالغة 438 ألفًا و317 كيلومترًا مربعًا، ونحو ثلث الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألفًا و690، وربع مساحة مصر البالغة نحو مليون كيلومتر مربع، وجزءًا من الكويت البالغة مساحتها 17 ألفًا و818 كيلومترًا مربعًا.

    ثانيًا: المفهوم السياسي والروحي ودلالات تصريحات نتنياهو الروحية

    حاول المدافعون عن الكيان ونفي الصفة الاستعمارية الاستيطانيه عنه القول إن مفهوم “الأرض كلها” كان دائمًا مفهومًا روحيًا، ولم يُقصد أبدًا تفسيره حرفيًا بمصطلحات جغرافية موضوعية.

    ولكن مع تأمل تصريحات نتنياهو الأخيرة نجده تحدث عن ترجمة الجانب الروحي، حيث أشار في حديث لقناة “i24” “الإسرائيلية”، إلى “الحلم الإسرائيلي” بوصفه “مهمة أجيال” يُسلمها جيل إلى جيل، وكيف أنه يشعر بأنه في مهمّة “روحية وتاريخية” من أجل الشعب اليهودي، وهو ما يعني مباشرة أنه وكّل نفسه وحكومته بتنفيذ الحلم الروحي على أرض الواقع بشكل جغرافي واقعي.

    ويؤكد ذلك تدرج الصهاينة في الإعلان عن نواياهم، وصولًا لحزب “الليكود”، حيث طرح حزب “الليكود” مشروع “إسرائيل الكبرى” منذ وصوله بزعامة مناحيم بيغن إلى السلطة في “إسرائيل” عام 1977، وحوّله إلى برنامج سياسي، وبدأ بالتغييرات باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية “يهودا والسامرا” والترويج للاستيطان اليهودي.

    ثالثًا: هل المطروح هو الاحتلال أم التهجير والضم؟

    من الشواهد التي يفيد بها العديد من التقارير الموثقة يمكن استخلاص الأهداف الصهيونية بطرد الفلسطينيين وليس السيطرة عن طريق الاحتلال وتحمل كلفة اعالة السكان والالتزامات القانونية المفروضة على قوات الاحتلال، كما أن وجود الاحتلال يجعل هناك ثنائية للقومية، والمراد “إسرائيليًّا” هو وجود “دولة يهودية أحادية القومية”.

    وتؤكد التقارير التصميم الواضح لحكومة نتنياهو على التطهير العرقي الفعلي وتسريع الآثار العملية لقانون الدولة القومية “الإسرائيلي” لعام 2018، والذي ينص على أن “إسرائيل دولة يهودية يتمتع فيها اليهود فقط بالحقوق الكاملة”، وتعطي المادّة 7 الأولوية على وجه التحديد للمستوطنات “اليهودية” باعتبارها “قيمة وطنية” والتي ستعمل الدولة “على تشجيع وتعزيز إنشائها وتوطيدها”، أي الفصل العرقي والديني واغتصاب الأراضي “غير اليهودية” كقاعدة مرغوبة.

    رابعًا: هل كلّ الإجراءات التنفيذية عسكرية أم هناك إستراتيجيات أخرى؟

    تنفيذ “إسرائيل الكبرى” بمعناها الجغرافي المباشر (من النيل إلى الفرات) غير ممكن واقعيًا، لكن المشروع يتجسد اليوم بشكل جيواستراتيجي، ويمكن تلخيص آليات التوسع البديلة في التطبيع والاختراق الاقتصادي، وإضعاف الدول المحيطة عبر دعم الانقسامات الداخلية (طائفية، إثنية، سياسية) وفقًا لخطة عوديد ينون التي قدمت سيناريوهات لإضعاف وتفكيك المحيط لإبقاء الجوار في حالة تفكك، وأيضًا عبر التحالف مع أميركا لفرض وقائع جيوسياسية.

    خامسًا: الشروط العملية وكيف تؤيدها الشواهد

    لتحقيق هذا الهدف عمليًّا ينبغي إنهاء جميع المظاهر المسلحة التي تهدّد أمن الكيان، وتصفية الجيوش الوطنية للدول التي تحتلها بشكل مباشر، وإضعاف بقية الدول التي لا تستطيع ضمها وجعلها ترسًا في منظومة “إسرائيل الكبرى” عبر تحويل عقيدتها العسكرية بما تقوده من نظم للتسليح إلى اداة قمع وحفظ للمصالح الصهيونية، وبالطبع تصفية جميع المقاومات ونزع سلاحها وملاحقة المقاومة حتّى على المستوى الثقافي والايدلوجي.

    ومن الشواهد العملية للجدية الصهيونية في تنفيذ حلم “إسرائيل الكبرى” واتّخاذ خطوات عملية يمكن رصد ما يلي:

    1 – إعلان وزير المالية “الإسرائيلي” بتسلئيل سموتريتش، من مستوطنة “معاليه أدوميم”، انطلاق برنامج ربط “معاليه أدوميم” بالقدس، لافتًا إلى أن “الدولة الفلسطينية تشكّل خطرًا على “إسرائيل” الدولة اليهودية الوحيدة في العالم”.

    2 – مؤخرًا، أثارت صورة لجندي من قوات الجيش الصهيوني غضبًا كبيرًا بعد انتشارها، وكان الجندي يرتدي شارة “إسرائيل الكبرى” على الزيّ الرسمي.

    3 – في تسجيل صوتي يعود إلى يناير/كانون الثاني 2024، صرّح السياسي “الإسرائيلي” آفي ليبكين قائلًا: “. .. في نهاية المطاف، ستمتد حدودنا من لبنان إلى الصحراء الكبرى، أي المملكة العربية السعودية، ثمّ من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الفرات. ومن على الضفّة الأخرى للفرات الأكراد، والأكراد أصدقاء، لذا، البحر الأبيض المتوسط خلفنا، والأكراد أمامنا، ولبنان، الذي يحتاج بشدة إلى مظلة حماية “إسرائيل”، وبعد ذلك سنستولي على مكة والمدينة وجبل سيناء، وسنطهر تلك الأماكن!

    4 – اتّخاذ إجراءات صريحة في غزّة، حيث أقامت مجموعات من المستوطنين مخيمات مؤقتة على طول الجانب “الإسرائيلي” من حدود غزّة، في انتظار تأكيد الجيش “الإسرائيلي” على سلامة عبورهم وتحديد مواقع مستوطناتهم المرغوبة.

    وبالفعل بدأ مطورو العقارات “الإسرائيليون” ، في الانتقال إلى غزّة، وعرض هؤلاء المطورون على “الإسرائيليين” عقاراتٍ جديدةً مطلة على الشاطئ على أراضٍ فلسطينية، ويقوم موظفون يرتدون زيّ جنود الاحتياط في الجيش “الإسرائيلي” بإخلائها من المنازل المهجورة المتضررة من الحرب. ووفقًا لفيديو ترويجي لأحد المطورين، فإن موظفيه يقومون بالفعل ببناء هذه المباني الجديدة.
    كما بدأت النقاشات الجدية في اقامة قناة بن غوريون ومرورها من وسط غزّة وهو ما يتسق مع خطط احتلال غزّة وخاصة وسطها وترحيل السكان.

    سادسًا: فتنة نزع السلاح وما تمثله من هدية استراتيجية للعدو

    يتضح مما سبق أن المشروع الصهيوني لن يقوم إلا على انقاض القوى الحية والمقاومة في الأمة، وبالتالي فإن المطلوب هو تصفية المقاومات ونزع سلاحها والاكتفاء بجيوش ضعيفة لا تستطيع مواجهة الاحتلال “الإسرائيلي” في حالة الغزو، ولا تستطيع امتلاك القرارات السيادية في حالة الاكتفاء بإبقاء الدول في فلك المشروع الصهيوني وخدمة أهدافه بسبب عدم استطاعة الكيان التمدد بقواته إلى كامل الأراضي المشمولة في حدود المشروع.

    والذي يسير في مسار الإملاءات الأميركية والصهيونية في قضايا التطبيع ونزع سلاح المقاومات تحت مسمى “حصر السلاح بيد الدول” هو خادم لمشروع “إسرائيل الكبرى” سواء بعلم أو من دون علم، حيث يسلم بلاده بيده للكيان إما بتسليم الأراضي للضم وطرد السكان، أو بتسليم سيادتها وقرارها للوالي الصهيوني الحاكم عن بعد.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    إيهاب شوقي

    spot_imgspot_img