المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    صنعاء تباشر ردها المركّب: الاصطفاف إلى جانب الكيان مكلف

    مثّل العدوان الإسرائيلي الأخير على صنعاء محطة هامة في...

    أسطول الصمود العالمي يبحر باتجاه غزة وحكومة الكيان الإسرائيلي ترتبك

    في ظل استمرار الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة...

    مواجهة شرسة بين “صنعاء وتل أبيب” في ساحة المعركة.. من الرابح؟

    أكد مسؤولون إسرائيليون ويمنيون أن الجيش الإسرائيلي قصف صنعاء،...

    شرطة المرور تعلن خطة شاملة لفعاليات المولد النبوي الشريف 1447هـ

    رفعت قيادة شرطة المرور برقية تهنئة إلى قيادة وزارة...

    استعدادات واسعة وحالة تأهب قصوى في العاصمة صنعاء (ترقبا لهذا الأمر)

    استعدادات على أوسع نطاق، رسميا وشعبيًا، وتحضيرات على أعلى...

    صنعاء تباشر ردها المركّب: الاصطفاف إلى جانب الكيان مكلف

    مثّل العدوان الإسرائيلي الأخير على صنعاء محطة هامة في سياق الصراع الإقليمي المتشابك، إذ لم تُقرأ فقط في إطار عملية اغتيال استهدفت قيادات بارزة، بل جرى النظر إليها كرسالة سياسية -استخباراتية تحمل رهانات متعددة المسارات. فتل أبيب، الغارقة في حرب استنزاف طويلة مع قوى المقاومة، أرادت عبر العملية أن تظهر قدرتها على الوصول إلى العمق اليمني، وأن تؤكد امتلاكها بنك أهداف متقدم. غير أن هذه المحاولة حملت معها أسئلة أكبر حول قدرتها الفعلية على تحمل تبعات الرد، وحول ما إذا كانت قد دفعت نحو تصعيد غير محسوب.

    العملية بحد ذاتها بدت وكأنها عرض قوة استخباراتي أكثر منه إنجازاً عسكرياً حاسماً. فالمعلومات التي استندت إليها الأجهزة الإسرائيلية، على فرض دقتها، لم تُنتج تغييراً جوهرياً في موازين الصراع. بل على العكس، وفّرت لصنعاء فرصة إضافية لتظهير موقعها كلاعب إقليمي قادر على تحويل الاستهداف إلى مكسب سياسي. وهذا ما يفسّر سرعة الاستجابات الإعلامية والعملياتية من جانب القوات المسلحة اليمنية، التي سعت إلى تحويل الضربة إلى مناسبة لإبراز حضورها في معادلة الردع.

    مصادر مطلعة أشارت لموقع “الخنادق” إلى أنّ “الرد على عملية الاغتيال سيكون مركباً، وأن صنعاء أرسلت رسائل متعددة الاتجاهات تحذّر من الانزلاق في مستنقع الدم داخل أراضيها، لأن ذلك لن يبقى دون رد، خصوصاً إذا ارتبط بمواقف مساندة للعدو الإسرائيلي في هذه الفترة الحساسة”. الرسالة الأبرز هنا أنّ اليمن لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي محاولة لتحويل أراضيه إلى ساحة اغتيالات أو تصفية حسابات لصالح تل أبيب.

    لم يتأخر الرد كثيراً. فقد أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن استهداف مبنى هيئة الأركان الإسرائيلية بطائرة مسيّرة من طراز صماد-4، مؤكدة أن العملية تأتي ضمن إطار الرد المباشر على الغارة. هذا التطور لم يكن مجرد رد رمزي، بل عكس انتقال المعركة إلى مستوى نوعي جديد، حيث تُستهدف المؤسسات العسكرية الحساسة للعدو في صميم بنيته القيادية. وهو ما يعزز منطق “الرد المركب” الذي تحدثت عنه المصادر، حيث يجمع بين البعد العملياتي والرسائل السياسية الواضحة.

    الخطوة اليمنية تعني أن مفاعيل الغارة لن تتوقف عند حدود العملية ذاتها. ففي اللحظة التي كان يسعى فيها الكيان إلى إظهار قوة ردعه، وجد نفسه أمام واقع مغاير: رد يمني مباشر يطال رموز سيادته العسكرية. وهذه مفارقة تكشف عمق الأزمة التي يعيشها الجيش الإسرائيلي، الذي يفتش عن أي إنجاز يعيد إليه زمام المبادرة لكنه يصطدم بقدرة خصومه على قلب الطاولة بسرعة.

    على المستوى الإقليمي، يطرح المشهد إشكالية إضافية. إذ إنّ الغارة، بدلاً من أن تعزز صورة إسرائيل كقوة مُهابة، منحت صنعاء فرصة لتثبيت حضورها كقوة إقليمية مستقلة، تمتلك قرارها وتدير صراعها وفق أولوياتها الوطنية، مع تأكيد رسائلها بأن أي انخراط عربي في دعم تل أبيب سيُعتبر مشاركة مباشرة في المعركة. وهذه نقطة حساسة، خصوصاً في ظل محاولات بعض العواصم إعادة ترتيب علاقاتها مع كيان الاحتلال أو فتح قنوات تعاون معه في ملفات أمنية.

    لا شك أنّ الضربة الإسرائيلية تحمل في طياتها رغبة في اختبار حدود الخصوم، لكنها في الوقت نفسه كشفت حدود القدرة الإسرائيلية على التحكم بمسار التصعيد. فكلما حاولت تل أبيب استعراض قوتها عبر اغتيال أو قصف نوعي، وجدت نفسها أمام ردود مركبة تزيد من تآكل صورتها وتعمّق مأزقها الاستراتيجي. وهذا ما بدا جلياً في الرد اليمني الأخير، الذي لم يقتصر على الجانب العسكري، بل حمل أبعاداً سياسية ورسائل إقليمية تتجاوز اللحظة المباشرة.

    كان الاغتيال الإسرائيلي في صنعاء أقرب إلى مقامرة غير محسوبة منها إلى إنجاز أمني. أرادت تل أبيب أن تقول إنها قادرة على الضرب في العمق، لكنها منحت صنعاء ذريعة لتصعيد عملياتها وتعزيز موقعها كطرف قادر على فرض معادلات جديدة. ومع كل ضربة يمنية مضادة، تتآكل صورة الردع الإسرائيلي أكثر فأكثر. وما يلوح في الأفق هو انتقال الصراع إلى مستوى جديد من المواجهة المركبة: خليط من حرب استخباراتية مفتوحة، وضربات عسكرية متبادلة، ورسائل سياسية حازمة بأن الاصطفاف إلى جانب كيان الاحتلال في هذه اللحظة لن يكون مجانياً.

    المصـــــــــــدرموقع الخنادق
    spot_imgspot_img