ارتفع اليمن في الثاني عشر من ربيع الأول إلى مقام استثنائي حين تحولت ساحاته إلى نهر بشري متدفق يفيضُ محبة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، توقيرًا وتعظيمًا له.
حيث كانت الجموع وجوها تشع نورًا وراياتٍ تتمايل بالولاء وأصواتًا تصدح بالصلاة والسلام، لتعلن أن الإيمان حين يسكن القلوب يترجم حضورًا هادرًا يصنع التاريخ ويبعث الحياة.
الحشود الممتدة كبحر لا يحده نظر رسمت لوحة مهيبة تعانقت فيها الألوان والرايات وارتفعت فيها المديحيات والأناشيد المحمدية بصوت واحد، وتحولت الساحات إلى أفق مفتوح مليءً بالروحانية والتماسك، يذوب الفرد في الجماعة وتتوحد الجماعة في الرسالة الجامعة.
كل شارع وميدان في اليمن تحوّل إلى منصة إيمانية تتزين بالأعلام الخضراء وترتفع فيها الأهازيج المحمدية، وتستحضر الجموع صورة النبي وهو يقود أمة من العتمة إلى النور، فتبدو الساحات كصفحات مضيئة تعيد المشهد الأول لانتصار الرسالة وارتفاع كلمة التوحيد.
الاحتفالات المهيبة تجلّ لهوية راسخة تتجسّد في مشاهد جماهيرية نابضة بالحياة، وتعيد للأمة وعيها بقيمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حاضرها ومستقبلها، ويحيي أبناء اليمن المولد كميثاق متجدد يفيض بالعزم والإيمان، ليغدو اليوم المحمدي محطة نورانية للتزود بالوعي والبصيرة.
في ساحات الاحتفال التي بدت كمدرجات إيمانية تصدح باسم الرسول ارتفعت الرايات الخضراء وامتدت الصفوف كأمواج متلاحقة، وتمازجت أصوات الصلوات مع حماس الجموع في مشهد يفيض بالمهابة والبهجة، وباتت الساحات فضاءات حيّة تنبض بالولاء وتؤكد أن الإيمان يمان والحكمة يمانية، وأن اليمنيين أوفياء للعهد المحمدي جيلاً بعد جيل.
ارتبطت المناسبة بروح الجهاد والمقاومة، فكما أحيا الرسول أمته بالقرآن، أحيا اليمانيون يوم مولده بهتاف يملأ الساحات لفلسطين والقدس، ورفعوا صور شهداء غزة وأعلام المقاومة كرموز للوفاء، وتحولت الاحتفالات إلى ساحة وعي سياسي وروحي يتعانق فيها الإيمان مع الموقف، وتلتقي المشاعر المحمدية بصلابة المبدأ المقاوم.
ترددت في الساحات شعارات تمزج بين الولاء للرسول والانتصار لفلسطين، وانطلقت الحناجر كأجراس حيّة تُعلن وحدة الصوت والاتجاه، فبدت ذكرى المولد كجسر يعيد الأمة إلى مركزيتها ويمنحها بوصلتها، لتدرك أن الطريق إلى العزة يبدأ من التمسك بنهج الرسول ويتكامل بنصرة المستضعفين، واليمن في طليعة تلك المسيرة الهادرة.
في خطابه بالمناسبة، رسم قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي معالم الرؤية حين أكد أن نصرة فلسطين جزء أصيل من الولاء للرسول، وربط بين الاحتفالات المحمدية ومعركة فلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمة، فصار المولد محطة سياسية وروحية تستنهض الوعي الجمعي وتحدد وجهة الأمة في مواجهة مشاريع الهيمنة والتطبيع.
خطاب السيد القائد وجد صداه في الحشود التي تفاعلت معه ورفعت الصوت بالتكبير والتهليل ورسمت بإيقاعها الجماعي مشهداً مهيبًا للوحدة الإيمانية، وأكدت أن اليمني حين يُحيي المولد النبوي يحوله إلى منبر للتحشيد وركيزة للانطلاق في مشروع مواجهة الاستكبار العالمي وصياغة معادلة جديدة لقوة الأمة.
المشهد اليمني قدّم للعالم صورة متفرّدة لمعنى الاحتفال، فالساحات ارتقت من فضاء للفرح إلى فضاء للفعل الحضاري الذي يبني الوعي ويصوغ ملامح أمة تقرأ القرآن كمنهج حياة وتستلهم من الرسول عليه الصلاة والسلام، قيم التضحية والصبر، وأصبحت ميادين المولد منابر نهضة ومرتكزات لتحرير الإرادة وصياغة وعيٍ جديد للأمة.
امتزجت في الاحتفالات ألوان الروحانيات بالشعارات السياسية، وتداخلت المشاعر مع المواقف في مشهد تتعانق فيه الروح بالقضية، فكل علم مرفوع وصوت يهتف وقصيدة تتردد، كانت إعلانًا صريحًا عن يقظة أمة تعيد صياغة ذاتها وتنهض من جديد لتواجه مشاريع الهيمنة وتثبت حضورها في معادلات التاريخ.
أصبح اليمن بمواقفه عنوانًا بارزًا للتمايز في المشهد العربي والإسلامي، وبينما انجرفت أنظمة نحو التطبيع وارتهنت لإرادة الخارج، ارتفع من ساحات المولد صوت يمني صلب يعلن تمسكه بسيرة رسول الله ووفاءه لقضايا الأمة، وفي طليعتها فلسطين، ليجعل من اليمن منارة مواقف وأفقًا مفتوحًا للمقاومة والكرامة.
هذا التمايز مثّل انعكاسا لوعي جمعي يرى أن الطريق إلى المجد يمر عبر القرآن والرسول، وأن العزة تتجلّى حين تتشبث الأمة بجذورها الإيمانية، وقد جسدته الحشود اليمانية في مختلف المحافظات وهي ترسم ملامح أمة تعيد بوصلة التاريخ على خطى الأنصار الأوائل، لتفتح أمامها مسارًا جديدًا نحو الحرية والكرامة.
الملايين التي تدفقت للساحات خرجت لترسم معادلة جديدة، تؤكد أن اليمن هو قلب الأمة النابض، وأن ارتباطه بمنهج الرسول يمنحه شرعية القيادة الروحية والسياسية في زمن التحديات، فبدت الحشود كمدّ بشري عارم يفيض بالعزيمة والإيمان ويعيد للأمة ثقتها بذاتها.
بدا المولد النبوي في اليمن حدثًا جامعًا يختزل تجربة عقد من الصمود ويجسّد قدرة الشعب على تحويل المعاناة إلى طاقة روحية وسياسية، فتتجلى المناسبة كينبوع يتدفق بالعزم والإرادة ويجعل من كل محطة محمدية رافدا لتعزيز الصمود وتوسيع الوعي وإشعال جذوة النهضة في وجدان الأمة.
الاحتفالات المحمدية حمّلت في مضمونها رسالة سياسية واضحة، إذ تحولت الساحات إلى منابر إعلان للموقف اليمني الراسخ في مواجهة مشاريع الهيمنة والتطبيع، وأكدت أن اليمن يقف في الخط الأمامي لصون هوية الأمة ومقدساتها، وأن ارتباطه برسول الله يترجم حضورا فاعلا في معركة التحرر والاستقلال وصياغة معادلة إقليمية جديدة.
أبناء اليمن أدركوا أن المولد النبوي فرصة لإعادة قراءة الذات في ضوء القرآن والسيرة، فخرجوا من الساحات أكثر قوة ووعيا واستعدادا لتحمل مسؤولياتهم التاريخية، وكأن المناسبة أعادت صياغة العزم الجماعي لتتحول إلى عهد متجدد يفتح أمام الأمة أفقا واسعا للكرامة والسيادة.
الحشود العظيمة بعثت رسالة أن اليمن لا ينكفئ على ذاته بل يحمل مشروعًا للأمة جمعاء، يبدأ بالارتباط بالرسول ويتسع لبناء أمة عزيزة حرة، قادرة على مواجهة الاستكبار وحماية مقدساتها، فتغدو الساحات اليمنية منابر مفتوحة ترسم ملامح نهضة إسلامية جديدة تتجاوز الحدود وتخاطب وجدان الأمة بأسرها.
المشهد كله بدا كمرآة واسعة تعكس أن الأمة حين تعود إلى الرسول الأكرم، تستعيد قوتها وتستنهض طاقاتها، وتستعيد معها جذوة الإيمان التي تصوغ العزائم وتفتح أبواب العزة، واليمن بما قدمه في المناسبة وضع لبنة مضيئة في صرح نهضة إسلامية شاملة، فبدت الساحات كمنابع نور تنساب منها رسائل الولاء والصمود نحو حاضر الأمة ومستقبلها.
برهن اليمنيون أن ذكرى المولد النبوي محطة جامعة تُجدد العهد للرسول الكريم والقرآن، وتفتح للأمة آفاقا واسعة في مسار العزة والتحرر، وتعلن أن الطريق إلى النصر يشقه الولاء الصادق ويعبد بالتضحيات، ليمتد من ساحات الإيمان في اليمن حتى القدس محررة، ومن وهج الولاء المحمدي حتى فجر الأمة وهي تستعيد مجدها ومكانتها بين الشعوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جميل القشم