في تطور نوعي يُعيد رسم معادلات الاشتباك، سجّلت الطائرة المسيّرة اليمنية فصلاً جديدًا من فصول الردع عندما اخترقت المجال الجوي للكيان الصهيوني واستهدفت مطار “رامون” في صحراء النقب. هذه العملية تمثل رسالة مباشرة بأن يد اليمن باتت طويلة وأن الميدان لم يعد محصورًا في مياه البحر أو سماء الممرات الدولية.
العملية التي هزّت أمن الكيان وفرضت عليه حالة من الاستنفار القصوى، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الدعم اليمني لغزة موقف ثابت راسخ يُعبّر عنه بالميدان لا بالتصريحات.
المسيّرة اليمنية التي عبرت المسافات واخترقت الأنظمة والرادارات، وضعت العدو في حالة إرباك، وكشفت أن زمن التفرد الصهيوني بالتفوق الجوي قد ولّى، وأن هناك قوى مقاومة تملك الإرادة والقدرة على الرد في الزمان والمكان المناسبين.
لم تأتِ العملية كرد انفعالي، بل كقرار محسوب ضمن معركة محسوبة تُخاض بعقل ووعي. هي صفحة من كتاب المواجهة المفتوحة التي تقودها صنعاء كجزء من محور حر لا يخضع للإملاءات، ولا يُراهن على الموائد الدولية المزدوجة.
بهذه الضربة، أثبت اليمن أنه حاضر في قلب المعركة، وأن خياراته مفتوحة، وأن أي اعتداء على غزة لن يمر دون ثمن.
لقد أثبتت الضربات اليمنية الأخيرة، ومنها استهداف مطار “رامون” الصهيوني، أن زمن الغطرسة الصهيونية دون رد قد ولّى، وأن الجبهة اليمنية أصبحت رقماً ثابتاً في معادلة الردع. لم يعد صوت اليمن يُسمع في بيانات الشجب، بل يُدوّي في عمق المنشآت الحيوية للعدو، يربك أمنه، ويقلب موازينه.
ولأن اليمن لا يقاتل من أجل موطئ قدم في الإعلام أو كسب شعبية مؤقتة، بل من أجل قضية عادلة، من أجل فلسطين، من أجل المسجد الأقصى، فإنه يثبت مرة بعد أخرى أن المواقف لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، بل إلى قلوب حرة، وقرار مستقل، وإرادة لا تلين.
هكذا يفهم اليمنيون المعركة، وهكذا يخوضونها: لا يعترفون بحدود الجغرافيا حين يتعلق الأمر بالمقدسات، ولا يقيمون وزناً للتهديدات حين يُستهدف الشرف والكرامة. ومن هذه الأرض التي أنجبت أولي البأس الشديد، تستمر المسيرة: بثبات، بإيمان، وبموقف يطاول النجوم لا ينثني
وما ضربة مطار “رامون” إلا رسالة بليغة، مفادها أن اليمن حاضر في قلب المعركة، لا يغيب عن ميدان ولا يتأخر عن نصرة مظلوم. رسالة تقول إن المعركة لم تعد محصورة بين غزة والعدو الصهيوني، بل باتت فلسطين قضية أمة، واليمن طليعتها، يضرب حيث يجب أن يُضرب، ويكشف هشاشة منظومة العدو التي طالما تباهى بها.
لقد تحولت الطائرة اليمنية المسيّرة من مجرد أداة ردع إلى إعلان عملي عن تحالف المقاومة، وعن وحدة الهدف والمصير. وهي في ذات الوقت صفعة موجعة لكل من حاول التقليل من قدرة اليمن أو تسويق أن اليمن غارق في همومه الداخلية. فالذي يستطيع إيصال صوته إلى أقصى الجنوب الفلسطيني، قادر على قلب الطاولة حين يشاء.
إنه وعد الصادقين، وعهد الأوفياء. وما دامت فلسطين تنادي، فستجد من صنعاء رجالاً يسمعون النداء ويجيبون بالفعل لا بالكلام. ومن رامون إلى ما بعد رامون، سيبقى اليمن رقماً لا يمكن تجاوزه في معادلة الرد، وفي معركة تحرير الأرض والكرامة.