المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    كرامة الشعوب أم العقوبات الاقتصادية؟

    بسبب الضغوط الصهيونية توقفت قناة الجزيرة عن بث المشاهد...

    ناصر قنديل: خطة ترامب ونتنياهو لاستمرار الحرب

    تضمّن المؤتمر الصحافي المشترك للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس...

    أمريكا تدفع بالأدوات كدروع بشرية في مواجهة اليمن

    جهود مكثفة تبذلها واشنطن لمحاولة إيقاف الإسناد اليمني لغزة،...

    كرامة الشعوب أم العقوبات الاقتصادية؟

    بسبب الضغوط الصهيونية توقفت قناة الجزيرة عن بث المشاهد القسامية ابتداءً من الأحد 28 سبتمبر 2025، بعد أسابيع قليلة من اعتماد الحكومة القطرية إصلاحات داخل الشبكة لتلبية وضعيةٍ جديدة من الهيمنة الصهيونية في الخليج. وأعقب ذلك أيضاً القصف الصهيوني للدوحة في 9 سبتمبر الماضي، الذي دَشَّن مرحلةً جديدة من الاستباحة المعلنة لحلفاء الكيان.

    ورغم أن الدعم القطري للقطاع ولرجال المقاومة فيه لم يتجاوز التغطية الإعلامية المكثفة – بخلاف ما رأيناه في سورية حيث شمل الدعم التمويل والتسليح – إلا أن تل أبيب لم تكتفِ حتى بتغطية أخبار القسام وسرايا القدس، وألزمت قطر بتبني سياسة جديدة تنأى فيها بنفسها عن أي عمل من شأنه دعم المجاهدين ولو بالصوت والصورة. ولذلك لم تتجرأ الجزيرة على بث المشاهد القسامية الأخيرة في خان يونس، واكتفت بعرضها على منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها لا أكثر.

    وهذه النقطة التي تعبّر عن الوهن الخليجي بشكلٍ عام، والقطري بشكلٍ خاص، كان ينبغي أن تتلاشى بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة وما رافق ذلك من تضامن على المستويين الشعبي والرسمي حول العالم، إلا أن الأمر دفع بحكام البلاد إلى تقديم المزيد من التنازلات وتخفيف التغطية الإخبارية التي من شأنها الترويج لعمليات القسام. وهذا يعني أن أكبر شبكة إخبارية في العالم العربي، وأكثرها من حيث عدد المشاهدين، تنضم للمعسكر الصهيوني حتى في قطاع غزة وتتخلّى عن آخر محطاتها البيضاء في العالم العربي.

    ولعل أبرز التهديدات التي أجبرت آل ثاني على الخنوع هي التلويح بالورقة الاقتصادية وضرب مستوى الرفاهية التي يعيشها سكان قطر، حيث يتجاوز معدل دخل الفرد المائة ألف دولار سنوياً. وهذا ما يبرره الحكام في الخليج لشرعنة عمالتهم للكيان منذ تأسيس إماراتهم بإشرافٍ غربي، ويكشف الفارق الكبير بين الخليج من جهة والجمهورية اليمنية من جهةٍ أخرى، وكيف أن الأخيرة تتعرّض لما تتعرّض له من عدوان وحصار وعقوبات اقتصادية نظير مواقفها المشرفة تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم.

    فحياة الرفاهية في الخليج لا يعرفها اليمنيون على الإطلاق، والسبب مواقفهم القومية والدينية. وكذلك الحال في سائر الأنظمة الشريفة كإيران والعراق؛ فالكرامة هناك ثمنها التجويع والإفقار والحروب المتتالية، وقد رأينا مؤخراً كيف رفضت طهران التخلي عن تخصيب اليورانيوم وتطوير برنامجها الصاروخي، ما اضطر الغرب إلى إعادة تفعيل آلية الزناد وتضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، فتسبّب ذلك في انهيار العملة الإيرانية وارتفاع الأسعار بشكلٍ جنوني.

    وهذا هو ما سبق ورأيناه في اليمن، ولأسباب تتعلق بكرامة الشعب اليمني، سيما الموقف من القضية الفلسطينية. فالزعماء الغربيون فعلاً لا يؤمنون بالحرية واحترام خيارات الشعوب، ويرون بأنها ملزمة بتبني المشاريع الصهيونية بلا نقاش، وإلا فالإفقار هو الحل، ولهم في ذلك أساليب وعقوبات من شأنها ضرب الاقتصاد الوطني وإضعاف القوة الشرائية للعملة وغيرها من الأساليب الشيطانية الخبيثة.

    وفي حال شعبنا اليمني يظهر الجواب الشافي لكل من يتساءل: لماذا نحن فقراء رغم أننا بجوار شعوبٍ هي من الأثرى في العالم؟ إن الكرامة والثبات على المبادئ لهما ثمنٌ باهظ، وقد اختار اليمنيون أن يدفعوه حفاظاً على حريتهم وقرارهم المستقل، لا أن يبيعوا أوطانهم مقابل فتاتٍ من المال أو وعودٍ زائفة. فالفقر في ميزان الكرامة أهون من الغنى المقرون بالذل، وهكذا هي حياة الرجال الأحرار؛ أما ما دون ذلك فمجرد حياة أنعام، كما وصفها الله تعالى في كتابه الكريم بالضلال المبين.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img