المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    صنعاء تكشف مصير اتفاق وقف اطلاق النار مع واشنطن بعد قرار العقوبات

    كشف مسئول في سلطة صنعاء مصير اتفاق وقف اطلاق...

    اليمن … جرأة السيادة وثبات الموقف في وجه البلطجة الأمريكية

    منذ منتصف القرن العشرين حين خرجت الولايات المتحدة الأمريكية...

    ناصر قنديل: أسطول الصمود ينجح في أداء المهمة

    مئات القيادات الشعبية والسياسية والنقابية والشخصيات الحقوقية والطبية ونشطاء...

    كذبة خطة ترامب.. خداع سياسي لشرعنة الحرب بتعديلات نتنياهو وتوقيع عواصم عربية على بياض

    قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما سمّاه “خطة السلام الدائم” لإنهاء الحرب على غزة، ووقف إلى جانبه بنيامين نتنياهو ليعرضها للعالم على أنها ثمرة توافق عربيإسلامي واسع. غير أن ما ظهر سريعًا كشف أن الأمر لا يتجاوز خدعة سياسية رخيصة، إذ تبيّن أن النص المعلن يختلف جذريًا عن النسخة التي اطّلعت عليها العواصم العربية. لقد أجرى نتنياهو تعديلات خطيرة في اللحظة الأخيرة، أضاف من خلالها بنودًا متشددة تُبقي الاحتلال ممسكًا بزمام الانسحاب وتفرض نزع سلاح المقاومة تحت إشراف دولي، لتتحول الخطة من مبادرة سياسية إلى مشروع إذعان هدفه إخضاع غزة وإفراغها من قوتها الدفاعية.

    التقارير أكدت أن النسخة التي وُزعت على العواصم العربية والإسلامية لم تكن هي ذاتها التي أعلنتها واشنطن لاحقًا. فقد صاغ نتنياهو نسخة جديدة تحمل في طياتها بنودًا متشددة تبقي الاحتلال ممسكًا بمفاتيح الانسحاب وتمنحه ذريعة دائمة لتعطيل أي تسوية، فضلًا عن فرض نزع سلاح المقاومة تحت إشراف دولي مباشر، وهو ما يعني إفراغ غزة من قوتها الدفاعية وتحويلها إلى منطقة منزوع السيادة لا تصلح إلا أن تكون حديقة خلفية للأمن الإسرائيلي.

    ورغم ذلك، خرجت ثماني دول عربية وإسلامية، بينها قطر، ببيان مشترك مرحّب بالجهد الأمريكي، من دون أن تدرك أن النص الذي باركته لم يكن النص الذي اتفقت عليه. وهنا تجلّى ما وصفه المراقبون بأنه غباء سياسي مدوٍ، حين وقّعت بعض الأنظمة على ما لم تقرأ، فتحولت من داعم مفترض للقضية الفلسطينية إلى شريك في تلميع مشروع صهيوني أراده نتنياهو أداة لإذلال غزة وشرعنة حصارها.

    في هذا السياق، شدّد قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي على أن مقترح ترامب لم يقبل حتى بالسلطة الفلسطينية ولا بعنوان الدولة الفلسطينية ولو بالمستوى الشكلي الذي اعترفت به بعض الدول الغربية، وأن الإعلان صيغ في مكتب نتنياهو حتى يتضمن كل ما يريده الإسرائيلي. وأوضح الحوثي أن الخطة لم تمنح الفلسطينيين أي سيادة على غزة، بل نصّت على تشكيل هيئة إدارية خاضعة لواشنطن ولندن، والهدف الحقيقي هو تحويل القطاع إلى منطقة مستباحة خالية من أي مقاومة، مع نصوص صريحة لنزع السلاح وتهجير المجاهدين. وأضاف أن هذه الخطوة لم تكن إلا محاولة أمريكية للالتفاف على الضجة العالمية التي فجرتها مشاهد الإبادة في غزة، تمامًا كما حصل في خدعة “الجسر البحري للمساعدات” الذي ظهر لاحقًا أنه غطاء للتجويع والحصار لا أكثر.

    أما المقاومة الفلسطينية فقد أعلنت موقفها الحاسم، مؤكدة أن السلاح خط أحمر وأن حق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير ليس موضع مساومة. وأكدت حركة حماس أن الخطة لم تعرض على أي طرف فلسطيني وأن المقاومة لن تكون طرفًا في مشاريع تصفوية تهدف إلى فرض الاستسلام بعد أن فشل العدو في تحقيق أهدافه عسكريًا. ووصفت الفصائل الخطة بأنها محاولة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية سياسيًا بعدما سقطت رهانات الحرب والدمار، مشددة على أن الحقوق الوطنية لا تقبل التجزئة ولا التفاوض، وأن من هرولوا للترحيب بالمبادرة دون الاطلاع على تفاصيلها ارتكبوا خيانة سياسية مفضوحة خدمت واشنطن وتل أبيب أكثر مما خدمت فلسطين.

    وفي قراءة تحليلية للمشهد، رأى المفكر السياسي ناصر قنديل أن المؤتمر الصحافي لترامب ونتنياهو لم يكن إعلانًا عن وقف الحرب بل إعادة ترتيب للبرنامج السياسي للحرب ذاتها. وأكد أن الخطة تعكس انتقال الأهداف من التهجير الذي فشل ذريعًا إلى محاولة إضعاف المقاومة عبر خلق تحالف مزدوج: حلف أميركي–إسرائيلي يتولى الأمن، يقابله حلف عربي–إسلامي يتولى الإعمار، فيما تُقصى المقاومة وتُفرغ من مضمونها. وأوضح أن المشروع يستعيد تجربة لبنان بعد حرب تموز، حين ربط الانسحاب بنزع السلاح، ما يمنح الاحتلال ذريعة لإبقاء وجوده العسكري بحجة “عدم تحقق الشروط”، وبالتالي تشريع بقاء الاحتلال تحت مظلة دولية تقودها واشنطن.

    هكذا، تكشفت أبعاد خطة ترامب على حقيقتها: واشنطن تكذب، نتنياهو يزوّر، وبعض العواصم العربية توقع على بياض. وبينما يسقط القناع عن المشروع الأمريكي–الإسرائيلي، تثبت المقاومة أنها الطرف الوحيد الذي يملك القرار الحقيقي في الميدان والسياسة معًا، وأن فلسطين لن تُدار من البيت الأبيض ولا من مكتب نتنياهو، بل من إرادة شعب يرفض الخضوع ويتمسك بالحرية والسيادة مهما كانت التضحيات.

    spot_imgspot_img