في مشهدٍ يختزل المعادلة السياسية والعسكرية اليمنية الجديدة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية، الخميس، استشهاد اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة، في سياق ما وصفته بـ“العمل الجهادي وأداء الواجب الإيماني”، مؤكدة أنه ارتقى “شهيدًا سعيدًا ضمن قافلة العظماء على طريق القدس”، في إشارة إلى استشهاده خلال العمليات الأخيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي في إطار معركة الإسناد لغزة.
وأوضحت القيادة أن استشهاد الغماري يمثل خسارة وطنية وعسكرية كبرى، غير أن المسيرة الجهادية مستمرة ولن تتأثر بفقدان القادة، مشيرة إلى أن المنهجية التي سار عليها الشهيد “مسارٌ تتلقفه الأجيال ويمضي به الأبطال جيلاً بعد جيل”.
وأكد البيان العسكري أن “المسيرة القرآنية تزخر بالقادة العظماء” من أمثال الغماري ورفاقه، مشددًا على أن جولات الصراع مع العدو الصهيوني “لن تنتهي إلا بتحرير القدس وزوال الكيان”، متوعدًا العدو بـجزاءٍ رادعٍ على جرائمه.
تفاعل فصائلي واسع ورسائل تضامن من المقاومة الفلسطينية
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عبّرت عن تقديرها العالي لتضحيات اليمن، قائلة في بيانها:
“نتقدم للشعب اليمني وأنصار الله والقوات المسلحة اليمنية بأحرّ التعازي باستشهاد رئيس هيئة الأركان العامة اللواء الغماري، ونشعر بفخرٍ كبير بامتزاج الدم الفلسطيني واليمني في مقاومة العدو والدفاع عن مقدساتنا.”
أما كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، فقد أصدرت بيانًا مطولًا اعتبرت فيه أن استشهاد الغماري “يُعدّ تتويجًا لمسيرة الإسناد اليمني المباركة”، مؤكدة أن:
“دماء الشهداء من أمثال الغماري ستبقى نبراسًا يضيء طريق المقاومة حتى النصر والتحرير.”
وأضاف البيان أن صور الشهداء اليمنيين ستُرفع قريبًا في باحات المسجد الأقصى، تقديرًا لموقف صنعاء التي “وقفت وقفةً مشرفة من أجل الله ودفاعًا عن مسرى رسول الله”.
قائد أنصار الله: الغماري أحد أعمدة الإسناد لغزة
وفي كلمةٍ متلفزة، أشاد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بإسهامات الشهيد الغماري، مؤكدًا أن له “دورًا كبيرًا في معركة الإسناد لغزة وفي الإعداد لمعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
وقال السيد القائد:
“الشهيد الغماري قدّم نموذجًا فريدًا في القيادة والجهاد، وكان من أوائل المضحين الذين جعلوا من واجبهم الإيماني طريقًا للشهادة والعزة.”
وأضاف أن “القوات المسلحة اليمنية قدّمت كوادرها قربانًا لله في الموقف الحق والصادق، وشعبنا ماضٍ في معركة الفتح الموعود لا يخشى إلا الله، رغم محاولات السقف الأمريكي لتكبيل الأمة.”
وختم السيد الحوثي بتأكيد أن رفاق الشهيد في الجهاد والمسؤولية سيواصلون المشوار “بكفاءة وخبرة أعظم”، مقدّمًا التعازي لأسرة الغماري ولكل أبناء القوات المسلحة.
اليمن تكشف تفاصيل العدوان خلال عامين وتعيين قيادة جديدة للأركان
بالتوازي مع إعلان الاستشهاد، كشفت القوات اليمنية تفاصيل غير مسبوقة حول حجم العدوان الذي شنّته قوى دولية، على رأسها الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، خلال العامين الأخيرين.
وقال البيان العسكري إن “العدو استهدف أعيانًا مدنية ومنشآت اقتصادية في عدوانٍ وحشي واسع”، مؤكدًا أن “العمليات العسكرية اليمنية لم تتوقف رغم الخسائر الكبيرة، بل ازدادت قوة وبأسًا في الرد والتنكيل بالعدو”.
وأضاف البيان أن المسيرة القرآنية لم تتأثر بفقدان القادة، وأن دماء الشهداء تصنع رجالًا أشدّاء “لا تهتز عزائمهم”، معلنًا في الوقت ذاته عن تعيين اللواء الركن يوسف المداني رئيسًا لهيئة الأركان العامة خلفًا للشهيد الغماري.
أكثر من ألف عملية عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي
كشفت القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذها أكثر من ألف عملية عسكرية ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية خلال عامين من الحرب، بينها:
-
758 عملية استخدم فيها 1835 صاروخًا ما بين باليستي ومجنح وفرط صوتي، إضافة إلى طائرات مسيرة وزوارق حربية.
-
346 عملية بحرية في مسرح العمليات الممتد من البحر الأحمر حتى المحيط الهندي.
-
استهداف أكثر من 228 سفينة تابعة أو مرتبطة بالملاحة الإسرائيلية.
-
إسقاط 22 طائرة استطلاع أمريكية من نوع MQ-9، وتنفيذ 40 عملية تصدٍ للطيران، بما في ذلك قاذفات استراتيجية تم استهدافها بـ57 صاروخًا.
وأكدت القوات اليمنية أن هذه العمليات جاءت “في إطار الرد المشروع على العدوان، وإسنادًا لغزة الصامدة، واستمرارًا لموقف اليمن المبدئي تجاه القضية الفلسطينية”.
قراءة سياسية – عسكرية
سياسيًا، يشكّل استشهاد اللواء الغماري منعطفًا في المعادلة العسكرية اليمنية، كونه أحد مهندسي العمليات العابرة للإقليم، ورمزًا للربط بين المعركة اليمنية والمشروع المقاوم الأوسع في المنطقة. ويؤكد الخطاب الرسمي أن اليمن ماضية في دورها الإقليمي دون تراجع، وأن استهداف قياداتها لن يضعف منظومتها بل يعزز مركزية المقاومة في استراتيجيتها الدفاعية والسياسية.
عسكريًا، يعكس الكشف عن الأرقام الدقيقة رسالة ردع مزدوجة: أولًا لخصومها في المنطقة الذين يسعون لتقليص حضورها في البحر الأحمر، وثانيًا لحلفائها في محور المقاومة، بأن اليمن تواصل تحمّل كلفة المواجهة باعتبارها ركنًا أساسياً في معادلة الردع ضد الاحتلال الإسرائيلي.
اليمن إذ تودّع قائدها العسكري الأبرز، فإنها تُعلن عمليًا عن بداية مرحلة جديدة من المواجهة، عنوانها: “الاستمرار في الإسناد، وتوسيع ميدان المعركة حتى تحقيق وعد التحرير والنصر.”