المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    عطاء الشهداء.. خلودٌ لا يُقاس بثمن

    أيتها النفوس التي تقدر التضحية، نقفُ اليوم لنرسمَ بالكلماتِ...

    الساخن أم البارد؟ دراسة تكشف التأثير المذهل لحرارة المشروبات على القلق والنوم والهضم

    كشفت دراسة جديدة نشرت في المجلة البريطانية للتغذية (British Journal...

    انتصار ساحق لريال مدريد على برشلونة في الكلاسيكو بثنائية نظيفة

    حقق فريق ريال مدريد فوزا مستحقا على غريمه التقليد...

    توجيهات القيادة الحكيمة إلى فرسان الجهاد الإعلامي

    في خضمِّ المعركة الإعلاميةِ الدائرةِ وقد كثرت فيها أبواق...

    الحرب الهجينة: أدواتها ومنطقها الاستراتيجي

    الحرب الهجينة ليست كما يظن البعض مجرد مصطلحات نظرية...

    عطاء الشهداء.. خلودٌ لا يُقاس بثمن

    أيتها النفوس التي تقدر التضحية، نقفُ اليوم لنرسمَ بالكلماتِ جداريةً من نورٍ ودم، تكريمًا لعطاءٍ لم يعرف التاريخُ له مثيلًا في التجرد.

    إننا أمام سرٍ من أسرار الإيثار الإنساني، حين يتحول البذلُ إلى مرتبةِ الاصطفاء الإلهي.

    كل عطاء له ثمن وقيمة، إلا عطاء الشهداء، عطائهم يفوق الثمن والقيمة، وهذه حقيقةٌ إلهية مطلقة، ففي سوق الحياة، كُـلّ شيءٍ له مقابل، وكلُ جودٍ تحكمه قوانين المنفعة.

    إلا هؤلاء، الذين تجاوزوا هذه القوانين الأرضية، وارتقوا بعطائهم إلى آفاقِ الخلود.

    لقد كان ثمنُهم الأول والأخير هو “جنة عرضها السماوات والأرض”.

    أي تجارةٍ أعظم من هذه؟

    باعوا فناءً زائلًا، واشتروا بقاءً أبديًّا، لأنهم قدموا أثمن ما يملك الإنسان، قدموا أرواحهم في سبيل الله؛ مِن أجلِ حياة كريمة لمن سواهم.

    في هذه التضحية، لا يوجدُ ظلٌ للأنانية، لا مكانٌ للذات، بل هو فيضُ محبةٍ للحياة الكريمة، مُهدىً على طبقٍ من دمٍ طاهرٍ لمن ظلوا بعدهم.

    تأملوا المشهد بتجردٍ وإحساس: هم “افترشوا الجبال والصحاري والوديان ونحن في البيوت”.

    فرقٌ شاسعٌ بين مهادهم الصلب ووسادتنا الوثيرة، بين هدوئنا المقرون بالسكينة، وبين ضجيجهم الممزوج بالخطر.

    “صبروا على أصوات الانفجارات وأزيز الطيران”، لكنهم تحملوها لكي لا تصل إلينا، لكي نعيشَ نحن “في سكينة وأمن وأمان”.

    أيُ ميثاقٍ أعظم من هذا بين حاضرهم المأزوم ومستقبلنا المأمول؟

    والمأساة الإنسانية تتجلى في قمة الروعة حين ندرك أنهم “صبروا على فراق الأهل والأحبة؛ مِن أجلِ نعيش مع أهلنا وأحبائنا”.

    لقد قطعوا حبالَ الوصل الدنيوية، تجرعوا مرارة الوحشة والفقد، ليضمنوا لنا نعمةَ الدفء العائلي واستمرار الروابط الاجتماعية.

    هذا هو الإيثار الحقيقي؛ أن تهجر أنت لذتك، لتصبح لذه الآخرين باقية.

    لتهبطَ تحيتنا غيثًا على أرواحهم الطاهرة.

    “فالسلام على رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”.

    هم القُدوة في الوفاء، سيف الله المسلول الذي لم يتراجع.

    “السلام على جنود الله الذين أنكروا ذواتهم”.

    نعم، أنكروا ذواتهم، أي وضعوا إنسانيتهم الصغيرة في خدمة الإنسانية الكبيرة.

    “ومن أجل دين الله ضحوا بشبابهم وهجروا ملذاتهم”.

    لقد مرّوا بجوار الحياة دون أن تتلوث قلوبهم بزينتها، اختاروا التعب بدلًا من الراحة، “سهروا؛ مِن أجلِ نومنا، وتعبوا في سبيل راحتنا”.

    لقد كانوا المعمارين الحقيقيين لمجد الأُمَّــة، “وصنعوا الأمجاد بيديهم، ووهبونا أغلى ما لديهم”.

    إنهم لم يرحلوا عبثًا، بل تركوا وراءهم إرثًا من العزة، “فأمنوا مستقبلنا، وضمنوا مستقبلهم أيضًا” في جنان الخلد.

    أمام هذا العطاء الجلل، يجب أن يتحول تقديرنا إلى مسؤولية.

    يجب أن يكون عطائنا بحجم تضحياتهم.

    إنها معادلة الوجود، لا يمكن أن نبني مستقبلًا قويًّا على أنقاض التضحيات دون أن نتحمل مسؤوليتها.

    “فليست المسؤولية ملقاة على الدولة فقط بل على كُـلّ حر وشريف”، على كُـلّ من يتنفس هواء الأمن الذي منحوه.

    إنهم أودعوا في أعناقنا أغلى الأمانات: “اسر الشهداء أمانة في أعناقنا جميعا”.

    هذا هو دينٌ لا يسقط بالتقادم.

    يجب أن نتفقدهم، بسؤالٍ صادقٍ عن حالهم وما يحتاجون وما يلزمهم.

    لأن كُـلّ ما نعيشه اليوم، من أمن وأمان وعزة وكرامة هو بفضل الله وتضحياتهم الكبيرة التي لا تقدر بثمن”.

    فلنكن أوفياء لدمائهم، “عاملين بوصاياهم، سائرين على نهجهم، حافظين للأمانة التي تركوها خلفهم”.

    الوفاء هو أن نحافظ على الأرض التي ارتوت بدمائهم، وأن نبقى يقظين على العهد الذي قطعوه.

    فالحقيقة القرآنية تقول: “الشهداء لا يموتون، بل يبقون أحياءً عند ربهم يرزقون”.

    هم مناراتُ هدايةٍ في وجدان الأُمَّــة، وفي كُـلّ لحظة أمنٍ نعيشها، وفي كُـلّ إطلالة فجرٍ نتنفس فيها الكرامة، هناك هم، يبتسمون لنا من عليائهم.

    فلنجعل من حياتنا استمرارا مشرفًا لتضحيتهم، لنكون أهلًا للمجد الذي صنعوه بأرواحهم.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    بشير ربيع الصانع

    spot_imgspot_img