تعيش الساحة الفلسطينية حالة توتر متصاعد في اليوم السابع عشر من اتفاق وقف الحرب في غزة، وسط تداخل سياسي وعسكري يعكس هشاشة الهدنة، حيث تكثّف المقاومة الفلسطينية جهودها لانتشال جثث الأسرى لدى الاحتلال الإسرائيلي في ظل ضغوط أمريكية متزايدة لدفع الأطراف نحو استكمال الصفقة والانتقال إلى المرحلة الثانية منها.
مصادر قيادية في المقاومة الفلسطينية أكدت أن حركة حماس والفصائل تبذل جهوداً مكثفة لانتشال جثامين الأسرى الإسرائيليين من بين الأنقاض التي خلّفها العدوان الأخير، مشيرة إلى أن العائق الأكبر يتمثل في نقص الإمكانات والمعدات اللازمة للعمل في المناطق المدمّرة. وأوضح أحد القياديين أن استكمال العملية ممكن في حال توفرت الآليات الثقيلة والدعم الفني، لافتاً إلى أن عمليات البحث تجري وسط مخاطر كبيرة وانهيارات متكررة في المناطق المستهدفة.
في المقابل، كشفت هيئة البث التابعة للاحتلال عن أن واشنطن تضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق حتى قبل دفن جميع الأسرى، بينما صرّح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن على حركة حماس تسريع تسليم الجثامين، مؤكداً أن الاحتلال الإسرائيلي التزم بالهدنة، وأن الولايات المتحدة تريد تطبيق الاتفاق بالكامل دون تأخير. من جانبه، شدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن بلاده تسعى لإغلاق هذا الملف سريعاً في إطار جهودها لتثبيت التهدئة واستعادة الاستقرار في المنطقة.
في المقابل، أعربت مصادر أمنية إسرائيلية عن نفاد صبر الاحتلال، متهمةً حماس بـ المماطلة لإطالة المرحلة الأولى من الصفقة. وذكرت القناة العبرية الـ12 أن الجانبين تبادلا معلومات استخبارية عبر وسطاء مصريين حول مواقع يُعتقد أنها تحتوي على جثث الأسرى، فيما دخل فريق من الصليب الأحمر للمرة الأولى إلى مناطق غربي رفح بالتنسيق مع حماس، في مهمة بحث وانتشال.
ميدانياً، استشهد فلسطينيان جراء قصف من طائرة مسيّرة تابعة للاحتلال الإسرائيلي استهدف بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس، بحسب مجمع ناصر الطبي، بينما أعلنت كتائب القسام العثور على جثمان أحد الأسرى الإسرائيليين خلال عمليات بحث في حي التفاح شرق مدينة غزة.
وفي الضفة الغربية المحتلة، واصل الاحتلال الإسرائيلي عمليات المداهمة والاعتقال الواسعة، ما أسفر عن استشهاد فلسطيني عند حاجز ميتار جنوب الخليل. كما أصدرت سلطات الاحتلال خمسة أوامر عسكرية جديدة للاستيلاء على نحو 73 دونماً من أراضي رام الله والبيرة بذريعة “أغراض أمنية وعسكرية”، وفق ما ذكرت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
وفي تطور لافت، دخلت آليات مصرية ثقيلة إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، تشمل حفارات وجرافات وشاحنات، للمساعدة في عمليات البحث والإزالة. وأعلنت كتائب القسام أنها ستسلم جثمان أحد الأسرى الإسرائيليين المستخرجين حديثاً ضمن صفقة “طوفان الأقصى لتبادل الأسرى”، مؤكدة أنها تعمل لإغلاق الملف بالكامل رغم صعوبة الظروف الميدانية.
وانطلقت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث أفرجت المقاومة عن 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء، وسلّمت جثامين 16 آخرين، فيما تبقى 12 جثماناً لم تُستخرج بعد. وتؤكد حماس أنها بحاجة إلى وقت إضافي للبحث وانتشال الجثامين في ظل الدمار الهائل الذي سببه الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق إحصاءات رسمية فلسطينية، أسفرت حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن استشهاد أكثر من 68 ألف فلسطيني وإصابة نحو 170 ألفاً آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، وتدمير 90% من البنية التحتية للقطاع، فيما قدّرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار بنحو 70 مليار دولار. وبينما تضغط واشنطن لتسريع المراحل السياسية، تُصر المقاومة على أن أي خطوة لاحقة مرهونة بالسيادة الفلسطينية والردع الميداني ضد الاحتلال.
