المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    ما هي العقبات التي يواجهها ترامب في خوض حرب فنزويلا؟

    بلغت التوترات في منطقة البحر الكاريبي وفي المياه قبالة...

    أكبر احتجاجات في تاريخ أمريكا الحديث.. انتفاضة “لا للملكية” تهزّ ولاية ترامب الثانية

    في مشهد غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، شهدت الولايات المتحدة يوم السبت 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025 أكبر موجة احتجاجات شعبية منذ تأسيسها، حيث خرج نحو 7 ملايين أمريكي إلى الشوارع في 2700 موقع من جميع الولايات الخمسين، رافعين شعار “لا للملكية”، رفضًا لما وصفوه بـ نزعة دونالد ترامب السلطوية خلال ولايته الثانية. ووفقاً للمراقبين، فإن ما حدث لم يكن مجرد مظاهرات سياسية، بل انتفاضة مدنية شاملة تمثل تحوّلاً تاريخياً في المزاج الأمريكي.

    انطلقت الشرارة الأولى لهذه الحركة في يونيو/حزيران 2025، قبل أن تتوسع بوتيرة مذهلة لتتحول إلى مظاهرات عملاقة شملت المدن الأمريكية الكبرى مثل نيويورك، ولوس أنجلوس، وشيكاغو، وواشنطن، بل امتدت إلى عواصم أوروبية مثل لندن وباريس وبرلين ومدريد، في مشهد تضامني عالمي نادر ضد إدارة رئيسٍ أمريكي.

    المنظمون وصفوا احتجاجات أكتوبر بأنها “أكبر مظاهرة ليوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة”، إذ شارك ما يعادل 2% من سكان البلاد، فيما يرى باحثون أن استمرار هذه الحركة قد يقودها إلى تطبيق ما يُعرف بـ “قاعدة 3.5%” — وهي النظرية التي تفيد بأن أي نظام يسقط سلمياً إذا شارك 3.5% من الشعب في مقاومته المستمرة. ورغم أن النسبة لم تتحقق بعد، إلا أن اتساع نطاق الاحتجاجات يوحي بأنها تقترب منها بسرعة.

    تتميز هذه الاحتجاجات بطابعها السلمي والإبداعي، حيث رفع المتظاهرون لافتات ضخمة كُتب عليها “الديمقراطية لا الملكية” و“الدستور ليس اختيارياً”، فيما انتشرت في المسيرات دمى ضخمة لترامب في هيئة “طفل يرتدي حفاضاً”، أصبحت رمزاً عالمياً للحركة. وبحسب التقارير، حافظت المظاهرات على أجواءٍ احتفالية وسلمية، في مشهد جمع بين الرفض السياسي والابتكار الشعبي.

    الاحتجاجات لم تكن مجرد تعبير عن الغضب من ترامب، بل شكلت بعثاً جديداً للحزب الديمقراطي بعد سنوات من التراجع. فقد أعادت هذه الموجة توحيد قواعده الشعبية وأعطت المعارضة زخماً لم يكن متوقعاً، بعدما بدت في الشهور الأولى من الولاية الثانية لترامب عاجزة ومتفككة أمام الهيمنة الجمهورية على الكونغرس.

    المتظاهرون عبّروا عن رفضهم لتوسيع صلاحيات الرئيس عبر الأوامر التنفيذية، ونددوا بإرسال قوات الحرس الوطني إلى المدن رغم اعتراض حكام الولايات، معتبرين ذلك تعدياً صارخاً على مبدأ الفصل بين السلطات. كما هاجموا سياسات الهجرة الصارمة التي أدت إلى تفريق العائلات وترحيل المهاجرين دون محاكمات، وانتقدوا محاولات ترامب تطويع القضاء لمصالحه، خصوصاً بعد تدخله لتخفيف أحكام حلفائه المدانين بالفساد.

    ولم تخلُ المظاهرات من رمزية ثقافية قوية؛ فقد وجّه الممثل الأمريكي الشهير روبرت دي نيرو رسالة مؤثرة قال فيها:“لقد حاربنا الملكية قبل 250 عاماً، واليوم نحاربها مجدداً، ولكن هذه المرة سلمياً. لن نسمح لملكٍ جديدٍ أن ينتزع منا ديمقراطيتنا”.

    في المقابل، تعاملت إدارة ترامب مع هذه الموجة التاريخية بازدراء وسخرية، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض أبيغيل جاكسون: “ومن يهتم؟”، فيما وصف رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون المتظاهرين بأنهم “إرهابيون ومهاجرون غير شرعيين”، بينما نشر ترامب نفسه مقاطع ساخرة عبر منصة “تروث سوشيال” يظهر فيها متنكراً كملكٍ يلقي النفايات على المتظاهرين من طائرة حربية، في تصرف اعتُبر استفزازياً ومهيناً للشعب الأمريكي.

    المحللون يرون أن انتفاضة “لا للملكية” تمثل أخطر تحدٍّ شعبي يواجهه رئيس أمريكي في العصر الحديث، وأنها قد تؤسس لمرحلة سياسية جديدة تُعيد تعريف العلاقة بين السلطة والشعب في الولايات المتحدة. فبينما يحاول ترامب ترسيخ “رئاسته الملكية”، يبدو أن الشارع الأمريكي قرر أن يكتب فصلاً جديداً من تاريخه تحت شعار “نحن الشعب.. لا نُحكم إلا بالدستور”.

    spot_imgspot_img