في مشهد يجسد أقصى درجات الاستهتار بالاتفاقات الدولية والمواثيق الإنسانية، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح الأربعاء، أنه سيعود إلى الالتزام بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد ساعات فقط من ارتكاب مجزرة جديدة راح ضحيتها أكثر من 100 فلسطيني، بينهم 35 طفلاً، في سلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت منازل وسيارات مدنية ومراكز إيواء ومستشفيات وخيام نازحين غرب ما يسمى بـ”الخط الأصفر”، أي خارج نطاق مناطق سيطرته المباشرة.
وفي بيان رسمي، زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قراره يأتي “بتوجيهات سياسية” بعد ما وصفه بـ“خرق منظمة حماس للاتفاق“، مدّعياً أنه نفذ غارات دقيقة استهدفت أكثر من 30 مسلحاً من مستويات القيادة في فصائل المقاومة، من دون تقديم أي تفاصيل أو أدلة على ذلك. كما أضاف البيان أن الجيش “سيواصل فرض الاتفاق”، لكنه في الوقت نفسه هدد بالرد بقوة على أي خرق مستقبلي، في ما اعتبره مراقبون محاولة مفضوحة لتبرير جريمة جماعية مكتملة الأركان.
وقال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، إن الاحتلال ارتكب هذه المجازر “أمام أعين الوسطاء والمجتمع الدولي الصامت”، مؤكداً أن فرق الإنقاذ تعمل في ظروف كارثية، وتعاني من نقص حاد في الوقود والمعدات والمستلزمات الطبية، بينما المستشفيات تغص بالمصابين والجرحى في حالات حرجة. وأضاف أن ما يجري في غزة “عار على الإنسانية وصمة على جبين العالم الذي ترك الأطفال تحت الركام دون حماية أو ممرات إنسانية آمنة”.
ويرى أستاذ القانون الدولي في الجامعة العربية الأمريكية، رائد أبو دية، أن ما حدث في غزة “يعكس هشاشة النظام الدولي وعجزه عن حماية المدنيين“، مشيراً إلى أن الهدنة في القانون الدولي ليست تفاوضاً سياسياً فحسب، بل التزام قانوني صارم يفرض على الأطراف المتحاربة وقف جميع الأعمال العدائية احتراماً للحياة الإنسانية. وأضاف أن تكرار الخروقات الإسرائيلية يمثل استخفافاً بالقانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف المدنيين، معتبراً أن العجز الدولي “حوّل القانون إلى شاهد صامت على المذابح”.
من جهته، قال مدير مركز القدس للدراسات السياسية، عريب الرنتاوي، إن إسرائيل “تحاول صناعة سردية مقلوبة تُظهرها كطرف ملتزم، بينما تُحمل حماس مسؤولية انهيار الاتفاق”، موضحاً أن الهدف من هذا الخطاب هو إقناع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن المقاومة هي من خرقت الاتفاق، لتبرير استمرار القصف وتجنب الضغط الدولي. وأكد الرنتاوي أن إسرائيل “تكرر السيناريو ذاته منذ عامين من حرب الإبادة، عبر الادعاء بالالتزام في الوقت الذي تواصل فيه جرائمها بلا رادع”.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الأطراف الدولية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، تُظهر الوقائع الميدانية أن الاحتلال يستخدم التهدئة كغطاء مؤقت لتمرير عدوان جديد، في حين يواجه سكان غزة كارثة إنسانية متصاعدة وسط صمت دولي مطبق يعمّق جراحهم ويكرّس واقع الإفلات من العقاب.
