كشفت صحيفة واشنطن بوست، اليوم الأربعاء، عن أدلة دامغة ــ تشمل صور أقمار صناعية وشهادات ميدانية وفيديوهات ــ توثق ما وصفته بأنه “حملة قتل منظمة وجرائم تطهير عرقي” نفذتها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عقب سيطرتها الكاملة عليها بعد حصار دام لأشهر.
ونقلت الصحيفة عن تحليل صور الأقمار الصناعية وجود مركبات عسكرية تابعة للدعم السريع قرب جثث وبقع دماء ضخمة يمكن رؤيتها من الجو، في مشهد يوحي بأن عمليات القتل تمت في ساحات مفتوحة وعلى نطاق واسع. وأكد عامل إغاثة دولي للصحيفة وجود “تقارير عن استهداف مئات، إن لم يكن آلاف، المدنيين على أسس عرقية”، مضيفاً أن فرق الإغاثة تلقت روايات “عن فصل الرجال والفتيان عن أسرهم ثم تعذيبهم أو قتلهم بدم بارد”.
وتحدثت مصادر طبية ومحلية عن مجزرة مروعة داخل المستشفى السعودي بجامعة الفاشر، حيث أعدمت قوات الدعم السريع الجرحى والمصابين الذين كانوا يتلقون العلاج، بعد اقتحام المستشفى وإطلاق النار على كل من تبقّى فيه من المرضى والعاملين. ووصفت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر ما يجري بأنه “جريمة إبادة حقيقية تُنفَّذ داخل أسوار المستشفيات أمام مرأى العالم”.
تأتي هذه الجرائم بعد يوم واحد فقط من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على الفاشر بالكامل، المدينة التي صمدت لأشهر طويلة تحت حصار خانق. وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، تتابعت التقارير الميدانية لتؤكد أن المدينة تعيش أحد أكثر الأيام دموية في تاريخ السودان الحديث.
وأفادت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر اليوم بأن “قوات الدعم السريع تقوم بتصفية جميع المصابين في المستشفى السعودي بجامعة الفاشر”، مؤكدة أن المدينة تعيش حالة رعب شامل وسط انقطاع تام للاتصالات وانهيار المنظومة الصحية.
وفي أول ردود الفعل الدولية، دانَت الجامعة العربية “الجرائم المروّعة” المرتكبة بحق المدنيين العزّل، ودعت إلى تقديم المسؤولين عن هذه الانتهاكات إلى المحاكمة العاجلة. كما طالبت بـ”الوقف الكامل للأعمال القتالية والسماح للمدنيين بالمغادرة الآمنة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق”.
من جانبها، دعت الأمم المتحدة إلى فتح ممرّ آمن لإجلاء المدنيين المحاصرين في الفاشر، فيما اتهمت القوة المشتركة للحركات المسلحة قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من ألفي مدني خلال يومي 26 و27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
يأتي ذلك ضمن الحرب الدامية التي تعصف بالسودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش والدعم السريع، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل نحو 20 ألف شخص وتشريد أكثر من 15 مليون نازح ولاجئ وفق تقارير أممية، وسط صمت دولي مطبق وعجز المنظمات عن وقف النزيف الإنساني في دارفور.
ويؤكد مراقبون أن ما يجري في الفاشر ليس مجرد اشتباكات عسكرية، بل حملة تطهير عرقي ممنهجة تستهدف مجموعات محددة، تُنفّذ أمام أعين العالم الذي يكتفي بالتنديد، فيما تتحول المدينة إلى مقبرة جماعية مفتوحة تُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة.
