حذّرت منظمة “التيارات المضادة” الأمريكية في تقرير حديث من كارثة إنسانية متفاقمة في اليمن نتيجة التفشي المتجدد لوباء الكوليرا، مؤكدة أن المجتمع الدولي والدول المانحة يتحملون المسؤولية الأخلاقية والسياسية الكاملة عن هذا الوضع الكارثي بسبب نقص التمويل وغياب الالتزام بالتعهدات الإنسانية.
وذكرت المنظمة أن اليمن سجّل بين مارس 2024 وأغسطس 2025 نحو 332 ألف حالة اشتباه بالكوليرا و1073 وفاة مؤكدة، ليحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حيث عدد الإصابات، محذّرة من أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير بسبب ضعف أنظمة الرصد وصعوبة الوصول إلى المرافق الصحية في العديد من المحافظات المنكوبة.
وأوضح التقرير أن تفشي الكوليرا ناتج عن انهيار شبكات المياه والصرف الصحي، وسوء إدارة النفايات، وعرقلة وصول الإمدادات الطبية وفرق الاستجابة السريعة. وأكد أن خطة الاستجابة الإنسانية لليمن تواجه فجوة تمويلية تفوق 80%، حيث لم يُصرف سوى 474 مليون دولار فقط من أصل 2.48 مليار دولار مقررة، وهو ما عطّل برامج الوقاية والعلاج وأدى إلى توقف حملات التطهير المائي وتوزيع الأدوية في عدد من المناطق.
وأضافت المنظمة أن عدم وفاء الدول المانحة بتعهداتها لا يعد تقصيراً مالياً فحسب، بل انتهاكاً لمبادئ التعاون والتضامن الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أن هذه الالتزامات ليست عملاً تطوعياً، وإنما واجب قانوني وإنساني لضمان الحق في الصحة والمياه النظيفة خلال الأزمات.
وأكدت المنظمة أن الكوليرا أصبحت وباءً متوطناً في اليمن بسبب استمرارية أسبابه وغياب الحلول الجذرية، لافتة إلى أن البلاد شهدت أكبر تفشٍ للكوليرا في التاريخ الحديث بين عامي 2017 و2020، ولا تزال الإصابات تُسجّل يومياً وسط انهيار المنظومة الصحية وتراجع الدعم الدولي.
وأشارت إلى أن الأطفال والنساء يتحملون العبء الأكبر من الوباء، إذ يُصاب عشرات الآلاف من الأطفال بالإسهال الحاد وسوء التغذية سنوياً، ما يؤدي إلى الجفاف الحاد والموت البطيء في مناطق تفتقر إلى المياه النظيفة والرعاية الصحية الأساسية.
وربط التقرير بين تفشي الكوليرا واستمرار الحرب والحصار، موضحاً أن القصف الجوي دمّر شبكات المياه والصرف الصحي، فيما أدى الانقسام السياسي والإداري إلى تعطيل التنسيق الإنساني وتأخير اكتشاف الحالات، ما سمح للمرض بالانتشار دون رقابة.
وفي ختام التقرير، شددت المنظمة على أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية مباشرة عن تفاقم الكارثة في اليمن، داعية الدول المانحة إلى الوفاء الفوري بتعهداتها المالية، ودعم برامج الصحة والمياه، والعمل الجاد على إنهاء الحرب وإعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية.
وأكدت المنظمة أن “الصمت الدولي إزاء مأساة اليمن لا يقلّ جريمة عن الحرب نفسها“، مشددة على أن الحق في الحياة والصحة ليس منّة من أحد، بل التزام دولي تُقاس به إنسانية العالم أجمع.
