المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    اليمن في مواجهة “إسرائيل”.. تحذير استراتيجي وتحول في معادلة الردع الإقليمي

    في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، برز الموقف...

    الخارجية اليمنية تطالب بإنهاء الاحتلال وتسليم المتورطين في جريمة استهداف الحكومة

    رحّبت وزارة الخارجية والمغتربين بالمساعي الأخيرة التي تبذلها الأمم...

    اليمن في مواجهة “إسرائيل”.. تحذير استراتيجي وتحول في معادلة الردع الإقليمي

    في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، برز الموقف اليمني مؤخراً بوصفه رسالة سياسية وعسكرية ذات دلالات عميقة، ليس فقط تجاه الكيان الصهيوني، بل أيضاً نحو منظومة الأمن الإقليمي بأكملها، تصريحات نائب وزير الخارجية اليمني، عبدالواحد أبو راس، التي حذّر فيها العدو الصهيوني من مغبة أي عدوان ضد اليمن، جاءت لتؤكد أن صنعاء لم تعد طرفاً هامشياً في معادلة الصراع العربي ـ الصهيوني، بل لاعباً محورياً في محور المقاومة. 

    هذا التحذير الرسمي اليمني يعكس إدراكاً استراتيجياً بأن الصراع مع الكيان الصهيوني تجاوز حدود الجغرافيا الفلسطينية ليصبح مواجهة مفتوحة على أكثر من جبهة، فاليمن، رغم ما يعانيه من حصار اقتصادي، اختار أن يتموضع في قلب هذا الصراع، معلناً استعداده لخوض مواجهة مباشرة إذا اقتضت الضرورة، وهو موقف يشي بتحولات كبيرة في ميزان القوى الإقليمي.

    لم يكن الموقف اليمني الأخير مجرد ردّ دبلوماسي على تصريحات بنيامين نتنياهو، الذي وصف حركة أنصار الله بأنها “تهديد خطير لإسرائيل”، بل كان إعلاناً صريحاً عن دخول اليمن في مرحلة جديدة من التحدي والمواجهة ضمن محور الصراع مع كيان الاحتلال الصهيوني، تصريحات عبدالواحد أبو راس، التي أكدت أن أي عدوان صهيوني على اليمن سيقود الكيان الصهيوني إلى حرب معقّدة لن تستطيع السيطرة عليها، تعبّر عن ثقة غير مسبوقة بقدرة اليمن على الرد، وعن إدراك عميق بأن توازن الردع لم يعد حكراً على القوى التقليدية في المنطقة.

    اليمن موقف صلب وثابت

    منذ بدء العدوان السعودي على اليمن عام 2015، ركّزت صنعاء على بناء قدراتها العسكرية بشكل متدرّج، وخاصة في مجالي الصواريخ والطائرات المسيّرة، واليوم، تشير التحليلات إلى أن اليمن يمتلك قدرات صاروخية باليستية ومتوسطة المدى قادرة على الوصول إلى العمق الصهيوني عبر البحر الأحمر، وهي ورقة استراتيجية شديدة الحساسية بالنسبة لتل أبيب وقد ضربت اليمن عمق الكيان المحتل مرات عديدة.

    تحذير صنعاء من دفع الكيان إلى حرب لا يمكنها السيطرة عليها  ليس خطاباً عاطفياً، بل رسالة مدروسة مبنية على معادلة ردع واضحة، أي اعتداء سيقابل بردّ مباشر قد يمتد إلى الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، هذه النقطة وحدها كفيلة بإدخال تل أبيب في حسابات عسكرية واقتصادية معقدة، نظراً لاعتمادها الكبير على خطوط التجارة والطاقة عبر هذا المسار البحري الحيوي.

    البعد الفلسطيني في الموقف اليمني

    من الواضح أن الموقف اليمني لم ينطلق فقط من منطلقات وطنية دفاعية، بل من رؤية عقائدية وسياسية تعتبر دعم الشعب الفلسطيني جزءاً من الهوية الثورية والسياسية لأنصار الله، ففي الوقت الذي تتجه فيه بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، يختار اليمن رغم معاناته الداخلية أن يتمسك بموقفه المبدئي في دعم المقاومة الفلسطينية، هذا التوجه يعكس التزاماً أخلاقياً وسياسياً يهدف إلى إعادة تعريف الموقف العربي من القضية الفلسطينية، وإبراز أن مناعة الموقف لا تتعلق بقدرة الدولة الاقتصادية أو العسكرية، بل بصلابة الإرادة والسيادة.

    كما أن الربط بين وقف إطلاق النار في غزة والتحذير من أي تصعيد صهيوني ضد اليمن يعبّر عن مفهوم “وحدة الجبهات” الذي تتبناه حركات المقاومة في المنطقة، حيث يصبح المساس بغزة أو القدس بمثابة تهديد لكل الأطراف المنضوية ضمن محور المقاومة.

    البعد الإقليمي والدولي

    الموقف اليمني لا يمكن عزله عن السياق الأوسع للتوترات الإقليمية، فالكيان، حسب اعتراف نتنياهو نفسه، يرى أن تهديد القوات المسلحة اليمنية يتنامى بمرور الوقت وهو تصريح يكشف قلقاً صهيونياً من استمرار صمود جبهة المقاومة في المقابل، يبدو أن واشنطن، رغم دعمها التقليدي لتل أبيب، تدرك أن أي تصعيد ضد اليمن قد يشعل مواجهة لا يمكن التنبؤ بنتائجها، وخصوصاً في ظل الوجود الأمريكي البحري المكثف في المنطقة، ما يجعل احتمالات الانزلاق إلى مواجهة أوسع أمراً وارداً.

    الرسائل الاستراتيجية في الخطاب اليمني

    تحمل تصريحات المسؤولين اليمنيين أكثر من رسالة، الرسالة الأولى موجهة إلى الكيان الصهيوني مباشرة، ومفادها بأن اليمن لم يعد الحلقة الأضعف في السلسلة الإقليمية، وأنه مستعد لتوسيع دائرة المواجهة، أما الرسالة الثانية فهي للأنظمة العربية التي راهنت على التحالف مع الكيان، لتقول إن الاستقلال والسيادة لا يُقاسان بحجم التحالفات، بل بقدرة الدولة على اتخاذ قرارها الحر.

    أما الرسالة الثالثة فهي إلى الداخل اليمني نفسه، حيث تسعى القيادة في صنعاء إلى تعزيز الروح الوطنية والهوية الجامعة في مواجهة التهديد الخارجي، وتحويل العداء لـ”إسرائيل” إلى عنصر توحيد داخلي في ظل الانقسام السياسي المستمر منذ سنوات.

    قراءة في معادلة المستقبل

    يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد انتقال اليمن من موقع المتلقي للتهديد إلى موقع الفاعل في معادلة الردع الإقليمي، فالمعادلة الجديدة التي تتشكل في المنطقة لم تعد تُدار فقط من العواصم التقليدية، بل من جبهات المقاومة الموزعة بين اليمن ولبنان وغزة والعراق.

    وفي ضوء هذا التحول، يمكن القول إن أي حرب محتملة بين الكيان واليمن – إن وقعت – لن تكون مجرد مواجهة ثنائية، بل جزءاً من مواجهة شاملة بين محورين: محور يسعى لفرض الهيمنة والاحتلال، ومحور آخر يدافع عن هوية المنطقة واستقلالها.

    في النهاية إن التحذير الرسمي الصادر من صنعاء ليس مجرد رد على تهديد، بل إعلاناً عن ولادة مرحلة جديدة في معادلة الردع الإقليمي، فاليمن، الذي كان يُنظر إليه كبلد محاصر ومنهك، أصبح اليوم لاعباً محورياً في معادلة الأمن الإقليمي، وصوته يدوّي في وجه واحدة من أكثر القوى العسكرية عدوانية في العالم، إن ما يجري اليوم يعكس تحوّلاً جذرياً في طبيعة الصراع في الشرق الأوسط: من صراع حدودي تقليدي إلى صراع إرادات ومشاريع، وفي هذا السياق، تبدو صنعاء وكأنها تقول لتل أبيب والعالم أجمع: إن زمن استباحة الشعوب العربية قد انتهى، وإن اليمن، رغم الجراح، أصبح رقماً صعباً في معادلة القوة والسيادة.

    المصـــــــــــدرالوقت التحليلي
    spot_imgspot_img