في اليوم الثامن والثلاثين من بدء وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تواصلت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي حيث استشهد عدد من الفلسطينيين شمال القطاع برصاص جيش الاحتلال، فيما شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات مكثفة على مدينة خان يونس جنوبي القطاع، مستهدفة مناطق تقع خلف ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”، في خرق صارخ للتهدئة المعلنة منذ العاشر من أكتوبر الماضي.
تشير المعلومات الميدانية إلى أن طيران الاحتلال الإسرائيلي نفّذ ثلاث غارات متتالية ترافقها قصف مدفعي وإطلاق نار كثيف من الدبابات شرقي خان يونس، إضافة إلى عمليات نسف وتدمير مبانٍ سكنية في حي الشجاعية شرق غزة.
ورغم سريان اتفاق وقف النار، تواصل إسرائيل عمليات التدمير الممنهج لما تبقى من مناطق خلف الخط الأصفر، في مشهد يكرّس التقسيم الجغرافي للقطاع ويعيد إنتاج الاحتلال بأساليب جديدة.
كما أصيب فلسطينيان برصاص الاحتلال قرب جدار الفصل العنصري شمال القدس، في وقت تتواصل فيه عمليات الاقتحام في مدن الضفة الغربية، ما يعكس استمرار النهج العدواني الإسرائيلي رغم ما يروَّج له من “هدوء إنساني”.
مأساة إنسانية تحت الأمطار
بالتزامن مع المنخفض الجوي الأول لهذا الشتاء، يعيش مئات آلاف النازحين في خيامٍ متهالكة غمرتها مياه الأمطار والطين.
وحذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من “تدهور خطير في الأوضاع الصحية والمعيشية للأطفال”، مؤكدة أن الآلاف يواجهون خطر الأمراض المعدية ونقص الغذاء والتدفئة، فيما لا تزال المساعدات الأممية خارج القطاع بانتظار التصاريح الإسرائيلية.
وأشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن 93% من خيام النازحين تضررت، ما أدى إلى تشريد آلاف العائلات مجدداً في ظل البرد القارس وانعدام أبسط مقومات الحياة.
من جانبها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء في غزة منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023 ارتفع إلى أكثر من 69 ألفاً و483 شهيداً، في حين تجاوز عدد الجرحى 170 ألفاً و706.
وخلال فترة وقف إطلاق النار، استشهد 266 فلسطينياً وأصيب 635 آخرون، إلى جانب انتشال 548 جثة من تحت الأنقاض.
“المجد”.. تهجير ناعم بغطاء إنساني
في تطور موازٍ، أثار تحقيق لصحيفة “هآرتس” العبرية ضجة واسعة بعد كشفه شبكة تهجير غامضة تُعرف باسم “المجد”، تدّعي العمل الإنساني فيما تقوم فعلياً بـ“تهجير ناعم للفلسطينيين من قطاع غزة” عبر رحلات سرية إلى دول أجنبية.
ويقود الشبكة شخص يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والإستونية يدعى تومر جانار ليند، وتبين أنها غير مسجلة قانونياً في أي دولة، وأن موقعها الإلكتروني أُنشئ حديثاً بروابط وهمية.
التحقيق أشار إلى أن “المجد” نظّمت رحلة غامضة نقلت 160 فلسطينياً من غزة إلى جنوب أفريقيا عبر مطار رامون الإسرائيلي مروراً بنيروبي، دون وجود أختام رسمية في جوازات السفر، مما أثار شبهات قوية حول تنسيق أمني واستخباراتي إسرائيلي يقف وراء العملية.
ووفق شهادات فلسطينية، تلقّى عدد من السكان اتصالات من أرقام أوروبية تعرض تسهيل الخروج من القطاع مقابل مبالغ مالية تُدفع بعملات رقمية مثل USDT، ما يؤكد وجود شبكة وسطاء تعمل في الخفاء مستغلة الظروف الإنسانية القاسية.
نشطاء فلسطينيون وصفوا الأمر بأنه “تهجير ناعم” يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه تحت واجهة إنسانية زائفة، في حين حذر الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي من أن هذه الأنشطة تمثل “آلية احتيال ممنهجة ضمن مخطط تطهير عرقي تدريجي” يسعى لترحيل الفلسطينيين ومنع عودتهم.
رفض فلسطيني حازم لنشر قوات أجنبية
في سياق متصل، حذّرت لجان المقاومة الفلسطينية من خطورة المشروع الأمريكي المطروح في مجلس الأمن بشأن غزة، مؤكدة في بيان رسمي أن الخطة تمثّل فخاً يستهدف نزع سلاح المقاومة وتحويل القطاع إلى ملف إغاثي خاضع للوصاية الأجنبية.
وشدّدت اللجان على أن أي وجود عسكري دولي أو أمريكي في غزة مرفوض تماماً، معتبرة ذلك شكلاً جديداً من أشكال الاحتلال عبر البوابة الدولية. وقالت في بيانها: “المشروع الأمريكي غطاء سياسي لإعادة إنتاج السيطرة الصهيونية على غزة بوسائل ناعمة، تهدف إلى تفكيك المقاومة وإفراغها من قوتها”.
كما دعت لجان المقاومة الجزائر والدول الحرة إلى اتخاذ مواقف حازمة ضد المشروع الأمريكي، مؤكدة أن “الشعب الفلسطيني وقواه الحية سيُفشلون هذه المحاولات كما أفشلوا غيرها”، وأن “أي مسعى لتدويل القطاع أو نزع سلاحه سيُواجَه بالمقاومة”.
خلاصة المشهد
بين غارات متواصلة رغم وقف النار، ومأساة إنسانية تتفاقم تحت المطر، ومشاريع تهجير مشبوهة، وضغوط دولية لفرض وصاية أجنبية على غزة، يقف الفلسطينيون اليوم أمام مرحلة بالغة الخطورة.
الاحتلال يحاول إعادة تشكيل القطاع وفق خطوط “حمراء وصفراء وخضراء”، بينما واشنطن تسعى لتمرير مشاريع سياسية بواجهة إنسانية. لكن في المقابل، تؤكد قوى المقاومة أن إرادة الفلسطينيين ستبقى عصيّة على الكسر، وأن غزة، رغم الألم، ستظل عنوان الصمود لا ساحة الوصاية.
