في خطوةٍ تصعيدية تندرج ضمن سياسة الكيل بمكيالين، صوّت مجلس الأمن على قرارٍ يمدّد العقوبات الاقتصادية المفروضة على اليمن، استجابةً لرغبة المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية ودول تحالف الهيمنة الغربية.. القرار، الذي يتوافق مع المطامع الأمريكية–البريطانية في السيطرة على الممرّات البحرية الإستراتيجية، لا يهدف إلى إحلال السلام، بل إلى تغطية ممارساتٍ عدوانية تُشرعن استمرار الاعتداء على اليمن، ونشر الفوضى الإمبريالية في المنطقة، والانتقام من الموقف اليمني المساند لغزة خلال معركة «الطوفان».
العقوبات التي يصدرها مجلس الأمن – والموجّهة أساسًا ضد أحرار اليمن – لا تعالج جذور الأزمة، بل تغتال مقوّمات الحياة لدى الشعب اليمني، وتحرم البلاد من الاستفادة من ممرّاتها البحرية، وتخنقها اقتصاديًّا دون أيّ مبرر قانوني أو إنساني.
وهي، في جوهرها، تحرّك العرَض وتترك الجذور، وتفشل في الاضطلاع بمسؤولية المجلس المفترضة في تخفيف المعاناة ودعم الحوارات السياسية.
وفي ظل غياب أيّ أفقٍ سياسي، لا يبقى أمام اليمنيين سوى ورقةٍ مشروعة واحدة: الدفاع عن النفس وحماية سيادتهم البحرية.
ما يجري اليوم من تصعيد بقيادة واشنطن ولندن وتل أبيب، وبمساندة بعض الأنظمة العربية، لا يمنح اليمنيين فقط الحقّ في التصدّي، بل يُوجِب عليهم ذلك، تنفيذًا لقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ».
وعندما تُركّز العقوبات على منع وصول موادّ معيّنة دون معالجةٍ أمنية أو سياسية شاملة، يتشكل فراغٌ أمني يستغله الغرب لتشكيل ما يُسمّى بـ«تحالف حارس الازدهار»، الذي لا هدف له سوى حماية الكيان الصهيوني وفكّ الحصار البحري عنه، تحت ذريعة حماية الملاحة الدولية.
هذا التحوّل الخطير يحوّل البحر الأحمر من ممرٍّ تجاريٍّ حيوي إلى ساحة مواجهةٍ دائمة، حيث يُصبح احتمال الخطأ العسكري أو التصعيد غير المقصود مرتفعًا جدًّا.
فوجود السفن الحربية قرب السفن المدنية يرفع من مخاطر الاشتباك العرضي، الذي قد يشعل حربًا إقليمية لا تُحمد عقباها.
والنتيجة المباشرة: خسائر اقتصادية فادحة، وارتفاع تكاليف التأمين البحري، وتأخير الشحن، وتحويل مسارات السفن حول رأس الرجاء الصالح، فضلاً عن تآكل شرعية مجلس الأمن وانهيار مصداقيته أمام عالمٍ يراه منحازًا وغير عادل.
في النهاية، يتحوّل قرار تمديد العقوبات – الذي يُفترض أن يكون أداةً لفرض السلام – إلى ذريعةٍ لشرعنة العسكرة وتهديد الملاحة الدولية.
فحين تُستخدم العقوبات كأداةٍ معزولة عن الجهود الدبلوماسية، تصبح جزءًا من المشكلة لا من الحل، وتدفع الأطراف إلى حلقةٍ مفرغة: عقوبات تُولّد تصعيدًا، والتصعيد يهدّد الملاحة، والملاحة المهددة تستدعي مزيدًا من الوجود العسكري، الذي يولّد بدوره مزيدًا من التصعيد.
