ذات صلة

الأكثر مشاهدة

فاطمة الزهراء: أمُّ أبيها وبضعة من روحه التي بين جنبَيه

الحديث عن عنوان الطهر والصفاء والنقاء والإيمان الكامل سيدتنا...

ظلال الانحراف ومآلات الضلال في واقع الأُمَّــة

حينما يجيلُ المرءُ بصرَه في واقع الأُمَّــة الإسلامية اليوم،...

موقع عبري: تصعيد السعودية في اليمن يهدد مستقبلها الاقتصادي

كشف موقع "بيت جيت" العبري، في تقرير حديث، أن...

وللشمال قضيةٌ أَيْـضًا..

لم يعد هنالك قضية جنوبية على الإطلاق، القضية الجنوبية...

مستجدات غزة.. منخفض جوي يتسبب بانهيار مبانٍ وغرق خيام النازحين ووفاة طفلة بسبب البرد القارس وسط خروقات تتسبب بشهداء جدد

دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يومه الثاني والستين وسط مشهد مأساوي تتقاطع فيه الدماء مع المطر، والبرد مع الحصار، والأمل مع الخذلان الدولي. وبينما يفترض أن يسود الهدوء بعد حرب الإبادة التي استمرت لعامين، يعيش القطاع اليوم فصلاً جديداً من الموت البطيء بفعل المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة متسبباً بانهيار مبانٍ وغرق خيام النازحين، في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية التي أوقعت شهداء وجرحى.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية أربعة شهداء وعشر إصابات جديدة، مؤكدة أن الاحتلال يواصل انتهاكاته رغم اتفاق وقف إطلاق النار، باستهداف مناطق مدنية وإطلاق النار على الفلسطينيين في أكثر من موقع. وبلغ إجمالي الضحايا منذ بدء الاتفاق 383 شهيداً وأكثر من ألف جريح، في حين لا تزال فرق الإنقاذ تنتشل الجثامين من تحت الأنقاض التي خلفتها آلة الحرب الإسرائيلية.

وتزامناً مع ذلك، تعرضت مدينة غزة وعدد من مناطق القطاع لضربات موجعة من المنخفض الجوي العنيف الذي حوّل المخيمات إلى بحيرات من الطين والمياه الآسنة. وانهارت أربعة منازل جزئياً نتيجة الأمطار الغزيرة، بينها منزل في حي النصر كان قد تضرر سابقاً بالقصف، حيث تهاوت ثلاثة طوابق كاملة بفعل تسرب المياه إلى أساساته المتصدعة.

وأكد الدفاع المدني أن عشرات المباني الأخرى مهددة بالانهيار في أي لحظة، محذراً من أن “القادم أسوأ” في حال اشتداد العاصفة خلال الساعات المقبلة، خصوصاً مع ضعف البنية التحتية وتضرر شبكات الصرف. وفي دير البلح بوسط القطاع، غمرت المياه خيام النازحين بشكل شبه كامل، وسط مخاوف من إقدام الاحتلال الإسرائيلي على فتح السدود المتاخمة للمنطقة كما فعل في سنوات سابقة، ما قد يؤدي إلى غمر مساحات واسعة من الأراضي بالمياه.

بلدية دير البلح حذرت من أن تدفق المياه سيكون كارثياً إن أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة، مشيرة إلى أن السكان يفتقرون لأي أدوات أو أغطية تحميهم من الظروف القاسية. ونقلت الجزيرة مشاهد صادمة تظهر نساءً وأطفالاً محاصرين داخل خيام غمرتها المياه حتى المنتصف، فيما تحاول العائلات يائسة تفريغ المياه بالأيدي أو بأوانٍ صغيرة بعد أن فقدت كل وسيلة للمقاومة.

وأفادت مصادر فلسطينية أن النازحين يواجهون أوضاعاً “تفوق الوصف” في ظل انعدام وسائل التدفئة ونقص البطانيات وغياب المساعدات، بينما تلفت الأمطار فراشهم القماشي البالي، تاركة آلاف العائلات دون مأوى فعلي. وتشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من 93% من الخيام في القطاع مهترئة وغير صالحة للسكن، ما يجعل البرد والمطر خطراً وجودياً يهدد حياة النازحين، وخاصة الأطفال والمرضى وكبار السن.

وفي حادثة مؤلمة جديدة، توفيت طفلة رضيعة لا يتجاوز عمرها تسعة أشهر بسبب البرد القارس في خيام خان يونس، بعد أن فشلت محاولات إنقاذها لعدم توافر وسائل التدفئة والرعاية. ووفق محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني، فإن “99% من مراكز الإيواء غمرتها المياه بشكل كامل”، مضيفاً أن أكثر من مليون ونصف المليون إنسان يعيشون في خيام غارقة، وأن “الساعات المقبلة قد تحمل كارثة إنسانية أكبر إذا استمر انخفاض درجات الحرارة”.

وأشار بصل إلى أن الدفاع المدني شكل خلية أزمة تعمل بإمكانات شبه معدومة، بعد أن فقدت البلديات والمراكز الميدانية معظم معداتها خلال الحرب، مؤكداً أن “غياب المعدات يحول دون تقديم أي مساعدة حقيقية، والمطلوب الآن إدخال بيوت متنقلة بشكل عاجل لإنقاذ الناس قبل فوات الأوان”.

وترافق هذه المأساة مع استمرار الخروقات الإسرائيلية اليومية للهدنة، حيث قصفت مدفعية الاحتلال مناطق في جباليا وخان يونس، ما أدى إلى استشهاد امرأة وطفلها وإصابة عدد من المدنيين. وتحدثت مصادر طبية عن عشرات الجرحى بينهم طفلة أصيبت برصاصة في الرأس داخل خيمة للنازحين، في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات المستمرة.

وفي ظل هذه الأوضاع المتدهورة، تتضاعف التحذيرات الدولية. فقد أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن الأمطار والبرد والاكتظاظ وانعدام النظافة تزيد من خطر انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، مشيرة إلى أن ما يحدث الآن هو “تحوّل الكارثة الإنسانية إلى مأساة بيئية وصحية غير مسبوقة”. وأوضحت في بيان عبر منصة “إكس” أنه يمكن تفادي الأسوأ إذا سُمح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود، وخاصة مواد الإيواء والوقود والدعم الطبي.

أما المجلس النرويجي للاجئين، فأكد أن غزة لم تتلق سوى كميات ضئيلة جداً من مواد الإيواء منذ وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن 1.3 مليون إنسان بحاجة ماسة إلى مأوى عاجل للنجاة من الشتاء، في حين لم تدخل سوى 15,600 خيمة فقط تكفي لإيواء أقل من عُشر المحتاجين.

وفي موازاة هذه المأساة، حذّر الدكتور منير البرش، المدير العام لوزارة الصحة في غزة، من أن المنخفض الجوي الجديد “يهدد حياة آلاف العائلات النازحة”، مؤكداً أن البرد والمطر باتا “أعداءً قاتلين للفئات الهشة في غياب الإغاثة والدعم”.

وبينما يترقب الفلسطينيون ما تحمله الساعات القادمة من مطر وجوع وخوف، تتكشف الحقيقة المؤلمة: أن الهدنة لم تجلب سلاماً، بل جلبت شكلاً آخر من الحرب. فاليوم، تغرق غزة بين نار العدوان وماء السماء، وتحت المطر تُكتب فصول جديدة من الصمود في وجه النسيان العالمي.

spot_imgspot_img