ذات صلة

الأكثر مشاهدة

‏الشعوب الموحدة والمشروع القرآني: سر النصر والصمود

يعيش العالم اليوم مرحلة فارقة تُختبر فيها القيم، وتُعرّى...

شتاء غزة.. معركة بقاء في ظل هُدنة منهارة

مع اشتداد المنخفضات الجوية التي تضرب قطاع غزة، تتكشف...

فاطمة الزهراء: أمُّ أبيها وبضعة من روحه التي بين جنبَيه

الحديث عن عنوان الطهر والصفاء والنقاء والإيمان الكامل سيدتنا...

ورد الآن.. انفجار الصراع بتحركات مخادعة “أفشلت الاتفاق” والأخيرة تدفع بتعزيزات تتضمن “مروحيات هجومية” وانتشار عسكري مكثف (تفاصيل )

انفجر الصراع السعودي الإماراتي اثر اتفاقات أمريكية سعودية من تحت لطاولة، تسببت بانهيار اتفاق السعودية والإمارات في “حضرموت والمهرة” عقب العقوبات الأمريكية على “مرتزقة الإمارات” في السودان والتي جاءت بطلب من السعودية، الأمر الذي فجر الصراع في الجنوب بتمرد الإنتقالي على القرار السعودي بضوء اخضر إماراتي وتعزيزات عسكرية تتضمن مروحيات الى مطار سيئون.

وتتدحرج الأزمة في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن بسرعة نحو الانفجار الكامل، في مشهدٍ يُعيد رسم خريطة الصراع الإقليمي على الأرض اليمنية، حيث تتهاوى تحالفات العدوان الواحد تلو الآخر، وتتبدل خطوط الولاء والتموضع العسكري في سباقٍ محموم بين الرياض وأبوظبي لفرض السيطرة على الجغرافيا والثروة والنفوذ.

في يومٍ عاصفٍ سياسيًا وعسكريًا، انهار الاتفاق الذي روّجت له السعودية والإمارات بشأن “حل الملف اليمني سياسياً”، بعد أقل من يومين على إعلانه، ليكشف الواقع أن ما تمّ الاتفاق عليه في الرياض انتهى فعليًا عند حدود حضرموت والمهرة، حيث اشتعلت الفوضى مجددًا، وسقطت لغة الدبلوماسية لتحل محلها لغة السلاح والطائرات المسيّرة والمروحيات الهجومية.

الانهيار العلني للاتفاق جاء متزامنًا مع إعلان وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة ضد ميليشيات تابعة للإمارات في السودان، بطلب سعودي مباشر، وهو ما فجّر صراعًا إعلاميًا غير مسبوق بين قنوات الطرفين؛ فبينما استضافت “الحدث” و”العربية” خصوم الانتقالي لتصويره كمتمردٍ على الشرعية والتحالف، ردت “سكاي نيوز” الإماراتية بتلميع قادة “الانتقالي” وتقديمهم كـ”قوة مكافحة للإخوان والإرهاب”، في حربٍ دعائية تكشف عمق الانقسام بين الحليفتين اللدودتين.

وفي الميدان، كانت المروحيات الإماراتية تُحلّق فوق سماء المهرة؛ ثلاث طائرات “أباتشي” هبطت في مطار الغيضة، محملة بعناصر ومعدات في مشهدٍ وصفته مصادر قبلية بأنه استعراضٌ استفزازي للقوة على تخوم الحدود العُمانية. وأعقب ذلك انتشارٌ كثيف لمسلحي “الانتقالي” في المدينة للمرة الأولى، بالتزامن مع اتفاق لتقاسم المطار مع ميليشيات “درع الوطن” الموالية للسعودية، ما يعني عمليًا دخول المهرة مرحلة جديدة من التصعيد بين وكلاء الرياض وأبوظبي، واحتمال انفجار مواجهة عسكرية مفتوحة في الشرق اليمني.

لم تتأخر الرياض في الرد، فأعلنت عن إغلاق مطار سيئون في حضرموت النفطية وفرض حصار جوي شامل على مناطق سيطرة الفصائل الإماراتية، مكرّسةً بذلك استراتيجية “الخنق الصامت” ضد “الانتقالي”. القرار الذي شمل أيضًا مطاري الريان وعدن، اعتُبر رسالة واضحة مفادها أن السعودية مستعدة للذهاب بعيدًا لإسقاط أذرع أبوظبي في الجنوب، حتى وإن تطلب الأمر تصعيدًا عسكريًا تدريجيًا على الأرض.

وبينما كانت الأجواء تتوتر، شهدت عدن وشبوة ضربات دقيقة بمسيّرات مجهولة استهدفت مواقع وارتالًا عسكرية تابعة لـ”الانتقالي”. المتحدث العسكري للمجلس، محمد النقيب، اعترف بسقوط قتلى وجرحى وتدمير سبع مركبات إماراتية، لكنه امتنع عن اتهام الحوثيين، مكتفيًا بالقول إن “الهجمات معادية”، في إشارةٍ فُسّرت على نطاق واسع بأنها اتهام مبطّن للسعودية بالوقوف وراءها. وتزامنت هذه الهجمات مع تقارير عن تحليق مكثف لطائرات دون طيار فوق قصر المعاشيق في كريتر، ما فُسّر بأنه رسالة تحذيرية موجّهة مباشرةً إلى قيادة الانتقالي في عقر دارها.

في الجانب السياسي، كانت الرياض تُحكم الطوق على المجلس الانتقالي داخليًا عبر إجبار أحزابه الحليفة — الاشتراكي والناصري وطارق صالح — على التبرؤ من تحركاته في حضرموت والمهرة. بل وصل الأمر إلى تبنّي بيانات “الإصلاح” والبرلمان والشورى ضد “الانتقالي”، في خطوةٍ سعودية واضحة لتجريده من الغطاء السياسي تمهيدًا لشيطنته وضربه عسكريًا.

أما الإمارات، فدفعت بآخر أوراقها، زاحفةً بـ”طارق صالح” كوسيط جديد بين العليمي والزبيدي في محاولة متأخرة لإنقاذ الموقف. غير أن العليمي، الذي بدا مدعومًا بثقة سعودية، قابل العرض الإماراتي بشروطٍ تعجيزية: انسحاب كامل لفصائل الانتقالي من حضرموت والمهرة، وتمكين السلطات المحلية من إدارتها، ووصول قيادة الانتقالي إلى الرياض للاعتذار رسميًا. شروطٌ فُسرت في أوساط المراقبين كـ”إعلان إذعان” يُراد فرضه على أبوظبي وذراعها العسكري.

في خضم هذا الصراع، غرقت مدن الجنوب في فوضى معيشية خانقة. فقد عادت أزمة الوقود لتشلّ عدن والمكلا، مع انعدام الغاز وارتفاع أسعاره في السوق السوداء. المشهد في الجنوب اليوم بات يعكس فشل الانتقالي الذريع في إدارة المناطق التي يسيطر عليها رغم امتلاكه لمصادر الطاقة، إذ لم ينجح في توفير احتياجات الناس رغم سيطرته على شبوة وحضرموت.

وفي موازاة ذلك، تصاعدت الأصوات داخل “الشرعية” الموالية للتحالف نفسها، إذ شنّ عبد العزيز جباري، نائب رئيس برلمان عدن، هجومًا لاذعًا على المجلس الرئاسي واصفًا إياه بـ”الصناعة الخارجية غير الشرعية”، ومخاطبًا رشاد العليمي بقوله: “أنت لم تأت بمشيئة الله بل بمشيئة ابن سلمان”. هذه الكلمات كشفت عمق الانقسام الداخلي وانكشاف حقيقة التبعية المطلقة للتحالف، وأكدت مجددًا أن الجنوب لم يعد سوى ساحة صراع بين وكلاء الخارج على حساب السيادة الوطنية.

ومع هذا الانهيار المتسارع في التحالف السعودي الإماراتي، واحتدام الصراع على الأرض، يبدو أن الجنوب يتجه نحو مرحلة جديدة من الفوضى السياسية والعسكرية، حيث تتحول الفصائل العميلة إلى أدوات متهالكة في صراع إقليمي مكشوف، بينما تتساقط شعارات “التحرير والاستقلال” لتُظهر حقيقتها كغطاء لتقاسم النفوذ والثروة.

في الجنوب اليوم، تتقاطع الطائرات الإماراتية مع المسيّرات السعودية فوق سماءٍ واحدة، ويختلط شعار “التحالف” بصفير الرصاص، فيما تتمزق رايات الوكالة وتُرفع راية الفوضى، لتقول الأحداث بوضوح:
إن العدوان الذي بدأ بتحالفٍ اسمه “العاصفة”.. ينتهي اليوم بعاصفةٍ تبتلع أدواته نفسها.

spot_imgspot_img