يعيش العالم اليوم مرحلة فارقة تُختبر فيها القيم، وتُعرّى فيها المواقف، وتتكشف فيها حقيقة الصراع بين المستضعفين والطغاة.
وفي ظل الزيف الإعلامي والهيمنة السياسية وتبدّل المفاهيم، يصبح وجود بوصلة وعيٍ ثابتة وراسخة ضرورة لا غنى عنها، لأن الأمة التي تتيه عن بوصلتها تفقد قدرتها على التمييز بين الحق والباطل، وبين العدو والصديق، وبين طريق العزة ومسار الهوان.
وهنا يتجلى المشروع القرآني بوصفه نهجًا إيمانيًا وإنسانيًا، يقدّم الوعي الصحيح، ويعيد للأمة قدرتها على رؤية الأحداث كما هي، بلا تزييف ولا تضليل، وبلا خضوع لضغوط الطغاة والمتجبرين.
علمنا المشروع القرآني أن أخطر ما يواجه الأمة الإسلامية والعربية ليس قوة العدو العسكرية، بل قدرته على تفريق صفوفها وضرب وحدتها من الداخل.
فما من غازٍ يستطيع السيطرة على أي بلد ما دام أبناؤه متحدين، متعاضدين، متماسكين كالبنيان المرصوص؛ متمسكين بالمشروع القرآني، عاملين به، ومتولين أعلام الهدى والتقى من آل البيت عليهم السلام، وبقيادة السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، حفظه الله.
لكن العدو يستطيع ذلك بسهولة عندما ينجح في تفريقهم، وشق صفوفهم، وإبعادهم عن المشروع القرآني، وجعلهم يتخلون عن موالاة أعلام الهدى والتقى، فتضعف الأمة من الداخل، وتصبح أكثر عرضة للاختراق والهيمنة، ويُحوَّل المجتمع إلى جماعات متصارعة لا يجمعها هدف ولا توحدها قضية.
ومن إدراك المستعمر لأهمية الوحدة في صدّ أطماعه، كان أول ما يستهدفه هو النسيج الاجتماعي لأي بلد يريد إخضاعه، حيث يزرع الفتن، ويغذي الخلافات، ويصنع الانقسامات، ويخلق المشاريع الصغيرة المتنافسة، ويحوّل أبناء البلد الواحد إلى خصوم، وعندها فقط يصبح الطريق معبّداً أمامه للسيطرة والتحكم وفرض سيادته على الشعوب.
وتُجسّد وحدة الشعوب هذه الحقيقة في قول الشاعر: “تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحاداً”، وهكذا هي الشعوب اليوم، إذا اجتمعت على الحق لا يهزمها مستعمر مهما بلغت قوته، وإذا تفرقت صار العدو قادراً على اختراقها وإخضاعها بأبسط الأدوات.
إنها سنة التاريخ، ووحدة الشعوب هي أول خطوة في مواجهة كل غازٍ ومحتل.
ويُعدّ الشعب اليمني، الذي استنار بالوعي القرآني بقيادة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، حفظه الله، نموذجًا حيًا لاستنهاض الوعي الشعبي.
فهذا الخطاب لا يقدّم مجرد مواقف سياسية، بل رؤية شاملة لطبيعة الصراع، تعيد الأمة إلى أساس قوتها: وحدتها وإيمانها ووضوح موقفها من أعدائها.
فالمشروع القرآني يعلّم الشعوب أن الهزيمة تبدأ من داخلها، عندما تفقد وعيها أو تستسلم لطروحات الخارج، وأن النصر يبدأ حين تستعيد وحدتها وترتبط بمنهج الله بعيدًا عن التبعية والهيمنة.
وقد أثبتت الأحداث أن الوعي القرآني قادر على تحويل الشعوب من ضحايا لعدوان كوني إلى صانعي انتصارات تاريخية.
فعندما يتبنى الشعب مشروعًا قائمًا على الوضوح في تحديد العدو، وعلى استنهاض الإرادة الداخلية، يصبح أي حصار أو عدوان مجرد عامل لتعزيز الصمود، لا وسيلة للتركيع.
وهذا ما حدث تمامًا مع الشعب اليمني خلال سنوات الحرب، حيث تحوّل اليمنيون من مستهدفين إلى قوة إقليمية يُحسب لها حساب، واستطاعوا بفضل وعيهم الإيماني ووحدتهم أن يفرضوا معادلات جديدة في البحر الأحمر وفي عمق الأراضي المحتلة، ما أعاد رسم مسار الصراع وقلب الطاولة على العدو.
والأمم الحرة تدرك دائمًا أن النصر لا يأتي من ضعف النفوس ولا من التبعية للمال السياسي، بل من الوعي الذي يحفظ كرامتها، ومن مشروع يجعل الإنسان محور القوة.
ولذلك نجد الشعوب الحرة في كل مكان تصطف مع القضية الفلسطينية، وتواجه الاحتلال الصهيوني والإمبريالية العالمية رغم كل حملات التشويه والتجريم، لأنها تعرف أن فلسطين ليست قضية حدود، بل قضية وعي وانتماء وهوية.
وما يحدث اليوم من صمود أسطوري في غزة ولبنان واليمن يثبت أن الشعوب الحرة حين تجتمع على الحق تصبح قوة لا يمكن كسرها.
إن الطريق نحو النصر ليس طريقًا مفروشًا بالورود، ولكنه الطريق الذي اختاره الأحرار عبر التاريخ. طريق الصمود، والتضحية، والتمسك بالثوابت، والرفض القاطع لمشاريع الطغيان.
وما دام المشروع القرآني حاضرًا في وعي الأمة، وما دامت الشعوب الحرة متمسكة بحقها في الحرية والكرامة، فإن هذا الطريق لن ينتهي إلا بالعزة والتحرير والانتصار.
فالأمم التي تملك بوصلة الوعي لا تُهزم، والشعوب التي تقف على أرض الصدق لا تسقط، والمشروع الذي يرتكز على هدي الله لا يمكن أن يُكسر مهما اجتمع عليه الطغاة.
