الإنسانية مصطلح يعرف به الكائن البشرى الذي ميزه الله سبحانه عن سائر مخلوقاته بالعقل الذي هو الركيزة والأساس والذي به يلزم الإنسان بالتكاليف وبعدمه يسقط عنه التكليف فهو المركز الأول للإنسان الذي سيُسأل ويُحاسب، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}..
لقد ميز الله الإنسان عن سائر مخلوقاته بالقلب ولا نعني بالقلب تلك العضلة التي تمد الإنسان بالحياة فهي موجودة عن كل الكائنات. ما نعنيه هو القلب الذي هو موقع ومكان نظر الله تعالى ففي صالحه المعنوي يصلح سائر الجسد وبفساده يفسد سائر الجسد.
فالقلب الصالح ينتج عنه الضمير الحيّ الذي يمنع الإنسان عن فعل أي تصرف لا تليق بالإنسان كخلفية لله في أرضه، فلا يقتل ولا يظلم ولا يسرق ولا يخون ولا يصدر عنه شيء مما لايمد للعقل والقلب والضمير والذي مُيز بها عن سائر المخلوقات وبها يُثاب وعليها يعاقب وبذلك يكون إنسان بمعنى كلمة إنسان.
ومن هنا نعرف أن الإنسانية ليست مجرد كلمة جوفاء أنها مفهوم واسع يحاول أن يصف أن تكون إنسانً وما يجب عليك تجاه أخيك الإنسان. الذي من حقه العيش بكرامة أين كان جنسه ولونه ودينه، وثقافته. هذا الحق يشمل الحرية الكاملة للإنسان وحمايته من كل أنواع الظلم، فالإنسانية هي عودة للعيش بكرامة ورحمة.
أما إذا انعدمت شعور الإنسانية وصار الإنسان مجرد جسد خالي من مشاعر والصفات ومجرد من الميزات التي أكرمه الله بها وأن وجدت ظاهريا فليس لوجودها معناه الحقيقي، {أَفَلَـمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}..
إذا عميت القلوب ولم تعد تعقل وتفرق بين الحق والباطل فلا فائدة من بقية الجوارح وأن كانت تعمل بالصورة الطبية فقد فقدت جانبها المعنوي والذي هو سر وجودها ومعناها الإنساني.
وعندما تفقد الإنسانية جوهرها السامي يخلق واقع مأساوي نرى فيه كلما لايمد لها بصلة وهو حقيقة ما نشاهده الآن من انعدام للضمائر وموت للقلوب وهي ترى ما يحدث في الأرض من قتل وسحل وتشريد وحصار وتجويع للإنسان في شتى بقاع المعمورة بالإنسان المتجرد من إنسانيته.
وإذا كان لنا أن نضرب مثل نجمع فيه كيف فقدتت الإنسانية وقُتلت سنكلمكم فقط عن غزة المنكوبة بسبب عدوها اللعين، المنسلخ عن الإنسانية انسلاخاً تاماً، إنسان غزة يتجمد من برد شتائه الممطر على خيمته التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
لا بد من يوم تقف فيه الإنسانية لتحاسب أمام الله عنما يعانيه أهل غزة ستقف كل الإنسانية في عرصات القيامة والله هو الحاكم ورسول الله الخصم وإنسان غزة المدعي، وويل لهم من مشهد ذلك اليوم، وهم من خذلوا غزة وهم من حاصروها وهم من وقف مع قاتلها، وعلى الإنسانية أن تعرف أنها محاسبة أمام الله عن قتل وجوع وبرد أهل غزة.
وعندما نقول الإنسانية نعني الجميع، كلنا من القمة المتمثلة بالحكام والعلماء وأصحاب القرار وكل من له صوت يسمع، وحتى القاعدة المتمثلة بالشعوب الشعوب التي لا تظن أنها خارجة عن المسؤولية عن ما يحدث في غزة فهي أيضاً مسؤولة ومحاسبة غدا أمام الله.
ستسأل وتحاسب الإنسانية جمعاء كلُ حسب عمله وسكوته، فالساكت عما يحدث مشارك ليعلم كل من سكت وتغافل عما يحدث في غزة من مجازر وإبادة وتطهير عرقي وتدمير لكل ما يدب عليها، أنه أيضاً سيحاسب، نعم سيحاسب كل من سكت عما يحدث في غزة جنباً إلى جنب مع من داهن ووقف مع العدو الصهيوني.
الحساب عن غزة سيطال الجميع صقيع غزة سيلسع الجميع وخيام غزة ستحرق الجميع ذات يوم، ليس العرب فقط، ولا المسلمين فقط، وإن كانوا هم أول المسؤولين أمام الله، ولكن ستحاسب الإنسانية كلها فالمأساة في غزة قد خرجت عن النطاق الإقليمي وأصبحت صفحة دامية في وجه الإنسانية.
الإنسانية التي تقزمت أمام ما يحدث في غزة وقد هجمت عليهم تلك الوحوش التي ليس لها من الإنسان إلا الصورة الظاهرية. والإنسانية التي ترى مظلومية الشعب الفلسطيني، ولم تحرك ساكنا وهي التي صدعت رؤوسنا بحقوق الإنسان، ومرت مرور اللائم عما يحدث في غزة من إبادة.
الإنسانية التي أضاعت حق الإنسان في فلسطين واليمن والعراق وسوريا والسودان وأفغانستان وأي مكان يضطهد به الإنسان، نجد أنها قد لبست ثوب الشيطان الأخرس، ولم تنتصر للمظلومين.
الويل للإنسانية إذا تجردت من ثوبها الذي وهبها الله وتقمصت بثوب الشيطان، وسكتت عما يحدث للإنسان من ظلم الويل للإنسانية إذا تركت المظلوم ووقفت مع الظالم.
فتباً للإنسانية إذا جُندت لحماية الظالمين وشرعنة ما يقومون به. وتبا للإنسانية وهي تشاهد وتسمع وترى ما يحدث للإنسان والإنسانية وتسكت، والويل لكل أنسان من مشهد يوم عظيم يوم يقوم فيه الناس لرب العالمين.
