نشر الإعلام الحربي اليمني مساء اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025م، الموافق 23 جمادى الآخرة 1447 هجرية، صورة لبوستر يحاكي ما حدث خلال هذا التاريخ قبل عشرة أعوام. وتضمن البوستر تذكير بعملية استهداف شعب الجن في باب المندب بمحافظة تعز بصاروخ توشكا خلف عشرات القتلى بينهم مرتزقة أمريكيين وإسرائيليين بالإضافة لقتى سعوديين وإماراتيين، وعقب تلك الضربة غادرت شركات أمنية للمرتزقة منها داين كروب وبلاك ووتر مسرح العمليات اليمني.
وفي مثل هذا اليوم 14 ديسمبر 2015م، سجّل اليمن إحدى أهم الضربات العسكرية في مسار المواجهة مع العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، عندما أطلق “الجيش اليمني واللجان الشعبية” صاروخاً باليستياً من طراز “توشكا” باتجاه معسكر وقيادة عمليات تابعة لقوى العدوان في منطقة باب المندب / ذُباب على التخوم الاستراتيجية لأحد أهم الممرات البحرية في العالم. يومها لم يكن الحديث عن عملية عسكرية عابرة، بل عن ضربة مفصلية أعادت رسم معادلات الحرب والردع في البحر الأحمر.
وجاءت الضربة في لحظة كان تحالف العدوان يعتقد فيها أنه أحكم قبضته على الساحل الغربي وباب المندب، وأن كثافة وجوده العسكري وقواعده الميدانية كفيلة بـ تأمين خطوط الملاحة وخنق اليمن وإخضاعه لإرادة الغزاة. لكن صاروخ توشكا واحد كان كافياً لـ تحويل معسكر العمليات إلى كتلة من اللهب، وإرباك منظومة القيادة والسيطرة لقوى العدوان، في رسالة واضحة بأن اليمن، رغم الحصار والقصف، يمتلك من القدرة ما يكفي لضرب قلب تجمعات الغزاة حيث يظنون أنهم في مأمن.
وكان قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي قد تحدث عن الضربة في خطاب المولد النبوي الشريف للعام 1437 هجرية قائلا: “في باب المندب في ضربة التوشكا، في ضربة ذلك الصاروخ امتزج هناك الدم الأمريكي والإسرائيلي والسعودي وكذلك الإماراتي والداعشي والقاعدي، بلاك ووتر التي هي أداة أمريكا، جند أمريكا، مرتزقة أمريكا، تعبّر عن حضور أمريكا الفعلي، وعن حضور إسرائيل الفعلي، وقُتِل إسرائيليون في باب المندب”.
وأضاف: “هناك كانوا جميعاً مجتمعين في خندقٍ واحد، في مشروعٍ واحد، في اتجاهٍ واحد، وامتزج دمهم جميعاً، واختلط ذلك الدم في الخندق الواحد والموقف الواحد، الدم الأمريكي، الدم الإسرائيلي، الداعشي، والسعودي؛ لأنهم جميعاً شيءٌ واحدٌ، وتوجهٌ واحد، وكلهم بمشروعٍ واحد”.

ووفق مصادر يمنية، ارتفع عدد قتلى جنود ومرتزقة دول العدوان في ضربة توشكا إلى 152 قتيلاً، بينهم قائد معسكر العدوان في باب المندب، العقيد الإماراتي سلطان بن هويدان. وأفادت هذه المصادر بوصول 146 جثة – أغلبها متفحمة – إلى عدن ومعسكر عمران، في مشهد كشف حجم الفاجعة داخل صفوف التحالف، ودفعه إلى إرسال سفينة طبية قرب الساحل بسبب العدد الكبير من الإصابات، في اعتراف عملي بأن الضربة لم تكن مجرد “خرق أمني” بل كارثة عسكرية مكتملة الأركان.
ولم تتوقف الخسائر عند هذا الحد؛ فقد أكدت المصادر نفسها سقوط 42 قتيلاً من مرتزقة شركة “بلاك ووتر” الأميركية، بينهم قائد الكتيبة الكولومبي الملقّب بـ”كارل”، ما شكّل صفعة قاسية لسمعة الشركات العسكرية الخاصة التي روّجت لنفسها كقوة نخبوية لا تُكسر. وبذلك، تحوّل معسكر باب المندب من نقطة ارتكاز لقوات الغزو إلى مقبرة جماعية للجنود والمرتزقة الأجانب.
وتضيف المعطيات الميدانية أن سقوط الصاروخ على المعسكر أدّى إلى انفجارات هائلة داخل الموقع، تسببت في انطلاق بطارية كاتيوشا باتجاه البحر، ما أدى إلى تصادم بارجتين سعوديتين، في مشهد عسكري فوضوي يظهر حجم الإرباك الذي أصاب قوات التحالف بحراً وبراً في اللحظات الأولى بعد الضربة.
أما على صعيد الخسائر المادية، فقد بلغت – وفق حصيلة أولية – تدمير 3 طائرات أباتشي، وأكثر من 40 آلية عسكرية، و7 عربات، و5 مصفحات مدرعة تتبع شركة بلاك ووتر، في ضربة وصفتها الدوائر العسكرية آنذاك بأنها أفقدت التحالف جزءاً مهماً من قدرته الهجومية في جبهة باب المندب.
من الناحية الاستراتيجية، لم تكن ضربة باب المندب مجرد نجاح تكتيكي، بل رسالة عميقة المعنى بأن الممرات المائية والبحر الأحمر وباب المندب ليست ساحات مفتوحة للهيمنة الأجنبية بلا كلفة، وأن أي وجود عسكري مكثّف للغزاة في معسكرات مكشوفة وقواعد مركزية قرب خطوط النار سيتحوّل إلى هدف مشروع للصواريخ اليمنية. لقد أدركت أبوظبي والرياض، ومعهما واشنطن ولندن، أن التواجد العسكري في هذا المدى الجغرافي الحسّاس لم يعد “مظلة أمان” بل مصدر تهديد دائم لقواتهم وسمعتهم.
على المستوى المعنوي، كانت ضربة توشكا كسراً مبكراً لهيبة السلاح الغربي والتقنيات المتطورة، إذ إن أنظمة الرادار والحماية التي أحاطت بمعسكرات التحالف لم تتمكن من منع الصاروخ من الوصول إلى هدفه بدقة. أما سياسياً، فقد ثبتت العملية حقيقة أن اليمن ليس مجرد ساحة نفوذ وصراع بالوكالة، بل طرف أصيل يفرض قواعد اشتباك جديدة في الإقليم، وأن من يراهن على السيطرة على جغرافيته أو ممراته البحرية سيدفع ثمن هذا الرهان قتلى وقطعاً بحرية محترقة وسمعة عسكرية مثقوبة.
ومع مرور عشر سنوات على ضربة توشكا في باب المندب، يتضح أنها لم تكن حدثاً معزولاً بل بداية مسار تصاعدي لقوة الردع اليمنية؛ من توشكا 2015م إلى القدرات الباليستية المتطورة والطائرات المسيّرة وعمليات الردع البحري في البحر الأحمر، ترسخت معادلة تقول إن باب المندب والبحر الأحمر جزء من معادلة أمن يمني – إقليمي لا يمكن تجاوزها.
اليوم، تعود ذكرى 14 ديسمبر 2015م لتؤكد أن اليمن لا يُدار من غرف عمليات أجنبية على شواطئه، بل من إرادة شعبه وسلاحه، وأن من يكرر وهم السيطرة على ممراته الحيوية سيجد نفسه مجدداً تحت نيران الصواريخ اليمنية، تماماً كما حدث يوم توشكا باب المندب، وكما يمكن أن يحدث في أي جولة قادمة إذا فُرضت على اليمن معركة جديدة.
يشار إلى أن القوات المسلحة اليمنية أدخلت صاروخ توشكا “روسي الصنع” مسرح العمليات لأول مرة في ضربة صافر في الرابع من سبتمبر 2015 وكانت الحصيلة النهائية لتلك الضربة المؤلمة مقتل 189 شخصًا، بما في ذلك 67 إماراتيا و42 سعوديا و16 بحرينيا و12 أردنيا، بالإضافة إلى 52 مرتزقا، وهي أكبر مقتلة تعرضت لها القوات الإماراتية الغازية منذ بدء عدوان مارس 2015.
