في تطور قضائي لافت يعيد فتح واحد من أكثر ملفات الفساد السياسي إثارة للجدل، كشفت صحيفة لو باريزيان الفرنسية، اليوم الأحد، أن ابني الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله عفاش سيُحاكمان أمام القضاء الفرنسي في سبتمبر/أيلول 2026 بتهم تتعلق بـ غسل أموال عامة مختلسة وفساد منظم، على خلفية شراء عقارات فاخرة في العاصمة باريس بقيمة ملايين اليوروهات.
وبحسب الصحيفة، فإن القضية التي انطلقت تحقيقاتها عام 2019 بناءً على طلب من السلطات السويسرية، تركّز على عمليات شراء ثلاثة عقارات فارهة في الدائرتين الثامنة والسادسة عشرة من باريس، بلغت قيمتها الإجمالية نحو 16 مليون يورو، بين عامي 2005 و2011. وتشمل هذه العقارات قصرين وشققاً راقية استخدمت — وفق الادعاء — كواجهة لتبييض أموال تم تهريبها من اليمن خلال فترة حكم الرئيس الراحل.
ويستند الادعاء الفرنسي في ملفه إلى تحقيقات فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، الذي قدّر ثروة علي عبد الله عفاش خلال سنوات حكمه (1978–2012) بما يتراوح بين 32 و60 مليار دولار، مؤكداً أن تلك الثروة جُمعت عبر شبكة فساد ممنهجة شملت عقود النفط والغاز والأسلحة والمشروعات الوهمية التي كانت تُدار لصالح الدائرة المقربة من صالح وعائلته.
وكشفت “لو باريزيان” أن المحققين الفرنسيين تتبعوا تحويلات مالية بقيمة 30.66 مليون دولار أُرسلت من اليمن إلى حسابات الابن الأكبر أحمد علي عبد الله عفاش بين عامي 2009 و2011، واستخدمت في تمويل شراء العقارات محل القضية. وقد أصدرت السلطات الفرنسية قرارات بمصادرة عدد من الممتلكات واسترداد نحو 500 ألف يورو من حسابات أحمد صالح في فرنسا.
كما أشار الادعاء إلى أن خالد عفاش(38 عاماً)، نجل الرئيس الأسبق الأصغر، لعب دور “العقل المدبر” في عملية غسل الأموال بعد تجميد الأصول المالية الخاصة بوالده وأخيه الأكبر عامي 2014 و2015، في أعقاب العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على أسرة صالح بتهمة تقويض العملية السياسية في اليمن.
في المقابل، نفى أحمد وخالد عفاش جميع التهم الموجهة إليهما، مؤكدين أن الأموال التي استخدماها “شرعية” ومصدرها “هدايا من رؤساء دول أجنبية”، لكن الحرب — بحسب قولهما — دمّرت الأدلة التي كانت تثبت مصدر هذه الأموال.
وتُعد هذه القضية واحدة من أبرز ملفات “الأصول غير المشروعة” التي ينظر فيها القضاء الفرنسي ضد شخصيات سياسية أجنبية، وتشكل — وفق مراقبين — اختباراً حقيقياً لإرادة فرنسا في مكافحة الفساد العابر للحدود، خصوصاً أنها تضع للمرة الأولى ورثة رئيس عربي سابق في قفص الاتهام داخل الأراضي الأوروبية.
ويرى محللون أن المحاكمة المقبلة لن تقتصر على البعد القضائي، بل ستعيد تسليط الضوء على شبكات النفوذ والفساد التي حكمت اليمن لعقود، وتفتح الباب أمام إمكانية ملاحقات دولية جديدة بحق شخصيات سياسية ومالية مرتبطة بنظام صالح السابق.
