المشهد اليمني الأول/

روسيا دولة صديقة للعرب بلا شك ولكنها ليست من محور المقاومة بلا شك أيضا.
هناك تمايز بالقطع بين الروس والأمريكان في الوسائل والممارسات والدبلوماسية، ولكن البراجماتية صفة رئيسية للسياسة الروسية وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وغياب التحالفات العقيدية التي تعلو على أي توازنات أخرى.

نعم ظلت روسيا صديقة لحركات التحرر واحتفظت بميراث الاتحاد السوفياتي في كثير من الملفات، إلا أن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تعاطت مع وضعها الجديد بضوابط وشروط دولة كبرى لا قوة عظمى وأحد قطبين عالميين.

ولهذا نقول لكل المنتقدين لعدم التطابق الروسي مع محور المقاومة في بعض القضايا، ان هذا امر طبيعي ويجب تفهمه، لأن لروسيا توازناتها وأهدافها ومصالحها التي تتقاطع في أغلب الملفات مع المقاومة، ولكنها قد تتمايز عنها في بعضها.

ومن هذه الملفات، الملف اليمني، الذي تقف فيه روسيا رسميا على الحياد، وإن كان الحياد هو انحياز للسعودية باعتبار أن القضية اليمنية هي قضية عدوان صريح على سيادة دولة وعلى شعب تم ترويعه وقتله وتصفية بنيته التحتية ومرافقه، ناهيك عن حصاره.

ولكن ليس لروسيا موقف مبدئي من هذه القضية لأنها لا تستطيع مجابهة القوى الاقليمية المعتدية وأمريكا في جميع الملفات وإلا تحول الصراع الدولي من كونه صراع مصالح إلى صراع قيم من النوع الايدلوجي، وهو أصعب أنواع الصراع الدولي ويتطلب قوى عظمى ليست مرهقة ولا مثقلة بالضغوط، كما ستتحول وسائل إدارته من الوسائل الدعائية والدبلوماسية والسياسية، إلى الوسيلة العسكرية، وهي تعني حرباً عالمية جديدة.

وبالعودة للملف اليمني، فإن التحليلات الغربية تصب في أن روسيا ترغب في الدخول في الملف اليمني كطرف محايد لكسب موطئ قدم جديد في الإقليم وللحفاظ على مصالحها في باب المندب، وبمتابعة معظم التحليلات، فإن هناك تحليلات تلخص رؤية يمكن قبولها وتكاد تكون هي الأكثر قربا للصواب، ومن أهمها رؤية صمويل راماني في مقال له على موقع انترناشونال انتريست، جاء في فقرة منه:

“منذ عام 2009 ، أعرب مسؤولون عسكريون روس عن اهتمامهم بإنشاء قاعدة بحرية روسية على الأراضي اليمنية. هذه القاعدة البحرية ستزيد من وصول روسيا إلى ممرات الملاحة في البحر الأحمر وتعطي موسكو موطئ قدم في مضيق باب المندب الهام استراتيجياً الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. ومن المؤكد أن اقتراح بناء القاعدة العسكرية في موسكو سيحصل على استقبال حماسي من السياسيين المحليين، حيث تسيطر قوات الحوثي المناهضة للولايات المتحدة على معظم المدن الساحلية اليمنية في البحر الأحمر.

وبما أن الولايات المتحدة تمارس نفوذاً كبيراً على الأنشطة التجارية التي تمر عبر مضيق باب المندب، وأنشأت الصين قاعدة بحرية للبحر الأحمر في جيبوتي، فإن إنشاء قاعدة عسكرية روسية في اليمن سيزيد من احترام روسيا كقوة عظمى في المنطقة. شبه الجزيرة العربية، مثل واشنطن وبكين. من شأن الاعتراف الدولي بنفوذ روسيا في شبه الجزيرة العربية أن يعزز المفاهيم الخاصة بالتأثير الدبلوماسي لموسكو في الشرق الأوسط، ويعزز تطلعات روسيا إلى إنشاء نظام أمن جماعي إقليمي”.

كما جاء في تقرير ميدل ايست مونيتور:

“ترغب روسيا في تأمين الحقوق الأساسية لأسطولها البحري في عدن والمساعدة في تأمين الممرات المائية لموانئ البحر الأحمر. في الوقت الحالي، سيطرت مجموعة الحوثي (المدعومة من إيران) على موانئ البحر الأحمر، بما في ذلك ميناء الحديدة الأكثر طلباً واستراتيجية.
قد تأتي بعض الإيجابية من التدخل الروسي في الصراع في اليمن. قد يرى التحالف الذي تقوده السعودية – بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة – هذا فرصة للتأثير على روسيا لإقناع إيران بوقف تسليح الحوثيين. وقد يؤدي هذا إلى توقف الحملة الجوية السعودية التي تم استنكارها لارتكاب جرائم حرب من قبل جماعات حقوق الإنسان. لكن هذا يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت غزوات الحوثي والصواريخ البالستية المتكررة تتوقف عن تهديد الأمن القومي السعودي.

إن أي تفاوض بدون أطراف أساسية في النزاع سيكون ببساطة خادعًا. إذا كانت روسيا تعتزم اتباع خطة تقودها لليمن، فمن المرجح أن تواجه معارضة هائلة. يجب إشراك العناصر الفاعلة الرئيسية في الصراع: الحوثيون يتقدمون من الشمال، والمجلس السياسي الجنوبي الراغب في الانفصال عن شمال اليمن ووسطه، وهادي يقود الحكومة الانتقالية.

في الآونة الأخيرة، شهد التاريخ أن العلاقات الأمريكية – الروسية تتسم بالاضطراب وأن أي تفاوض سياسي قد يتم اتباعه بعناية، لضمان عدم إغفال مصالح الدولة.

مع وصول مفاوضات السلام الخاصة بمبعوث الأمم المتحدة إلى طريق مسدود، يبدو أن موقع روسيا الاستراتيجي لحل حرب اليمن هو الخيار الوحيد الآخر.”

هذا التواتر في الترحيب بالتدخل الروسي كمخرج من الأزمة في اليمن يواجه بمعارضة ابن سلمان وأمريكا، التي ترغب في ابتزاز البقرة السعودية الحلوب، وكما كشفت مؤخرا وسائل إعلام سعودية أن زيارة ولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة توجت بتوقيع 6 مذكرات تفاهم في المجال الدفاعي باستثمارات تبلغ قيمتها 128 مليار دولار.

وبالتالي فإن ثمن العرش السعودي يدفع لترامب لمزيد من الانظمة الدفاعية والأسلحة المستخدمة في العدوان على اليمن ومعارضة أي تدخل دبلوماسي يمكن أن يضيف للروس نفوذا جديدا.
والحل يكمن في مزيد من المقاومة ومزيد من توريط المتورطين في سعيهم للعروش!

*إيهاب شوقي – كاتب مصري

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا