المشهد اليمني الأول/

دخلت العلاقة بين حكومة هادي ودولة الإمارات منعطفاً جديداً بعد اتهامات وأضحة وصريحة هي الأولى من نوعها لثاني أكبر دول تحالف العدوان بالابتعاد عن الهدف الذي جاءت من أجله إلى اليمن.

وإنشاء جيوش مناطقية تعمل على تفكيك البلد الذي يشهد عدواناَ عسكرياً منذ نحو ثلاث سنوات. فبعد أسابيع من حرب باردة بين الطرفين تزايدت وتيرتها عقب المعارك التي شهدتها  عدن (جنوب)  وجهت أتهامات لأبوظبي بالعمل على دعم فصائل مسلحة خارج نطاق سلطة هادي والعمل على تعميم الفوضى.

وتواجه أبوظبي اتهامات بالعمل على إضعاف سلطة حكومة هادي في المناطق التي يفترض أنها خاضعة لها وامتلاك أهداف خفية في اليمن وتزعم أبوظبي أنها قدّمت مساعدات لليمنيين منذ بداية الحرب بأكثر من 2.7 مليار دولار فضلاً عن تقديم مساعدات طبية عبر الهلال الأحمر الإماراتي لمكافحة الكوليرا استفاد منها أكثر من 300 ألف يمني.

وتتزعم الإمارات قوات تحالف العدوان في المحافظات الجنوبية ومنذ أنسحاب الجيش واللجان الشعبية من عدن والمحافظات الجنوبية في يوليو وأغسطس 2015 يتولى قيادة قوات التحالف مسؤول عسكري إماراتي وينوب عنه مسؤول سعودي وعقب الأنسحاب ودخول قوي العدوان أنشأت الإمارات ما يُسمى بـ «قوات الحزام الأمني» في عدن وهي خليط من عسكريين جنوبيين – غالبيتهم ينحدرون من جماعات سلفية – ومقاتلين متطرفين تم تدريب عدد منهم في قواعد عسكرية إماراتية بمنطقة القرن الإفريقي وأوكلت الإمارات لهذه القوات مسؤولية حماية محافظات عدن ولحج وأبين والضالع بالكامل ووفقاً لاتهامات حكومية تم دعمهم بدبابات ومدرعات إماراتية شاركت في عملية السيطرة وجرى إنشاء معسكرات لهم في عدن.

وبحسب مصادر فإن تلك القوات – المقدّر عددها بأكثر من 10 آلاف – ليست رسمية وليس لديها أرقام عسكرية في الجيش والقوات المسلحة الموالية لحكومة هادي ولا تمنحهم رواتب شهرية؛ إذ يتقاضون رواتب من الإمارات بواقع 1500 ريال سعودي شهرياً لقادة الوحدات ونقاط التفتيش وألف ريال للأفراد.

وقالت المصادر إن الإمارات أسندت الملف الأمني بين المحافظات الجنوبية والشمالية إلى وحدات عسكرية متطرفة وتعرقل هذه الوحدات يومياً دخول المواطنين من المحافظات الشمالية إلى عدن وتعيد غالبيتهم حسب الهوية الشخصية ونفذت «قوات الحزام الأمني» سلسلة مداهمات لمقرات حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإسلامي) واعتقلت عدداً من قادته كما شهدت فترة سيطرتها على عدن اغتيالات شملت أئمة مساجد كما اعترضت هذه القوات في 12 أكتوبر الماضي موكب رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر وأطلقت عليه النيران أثناء توجهه إلى لحج لافتتاح معهد تقني وأجبرته على العودة.

وجعلت الإمارات هذه القوات تحت تصرف «المجلس الانتقالي» وهي تسيطر بشكل شبه كامل على الوضع الأمني في عدن بعد أن شنت في 28 يناير الماضي هجمات على آخر القواعد العسكرية الموالية لهادي وكانت قد حاصرت قصر «معاشيق» الرئاسي الذي تقيم به الحكومة قبل أن تتدخل السعودية وتدعو إلى هدنة.

وفي سياق الأنفلات الأمني التي ترعاه وتدعمه الإمارات أفاد مصدر أمني بمقتل جندي وإصابة مسؤول أمني أمس السبت في مواجهات بين قوات هادي وقوات «الحزام الأمني» الموالية لأبوظبي بمدينة الضالع جنوبي البلاد وأوضح المصدر أن المواجهات اندلعت بعد محاولة قوات «الحزام الأمني» فرض سيطرتها على نقاط أمنية تابعة لوزارة الداخلية وسط وجنوبي الضالع.

وتابع أن قوات حكومة هادي رفضت الانسحاب ما أشعل اشتباكات أدت إلى مقتل جندي وإصابة آخرين بينهم نائب مدير أمن محافظة الضالع بليغ الحميدي وأشار المصدر إلى أن إصابة الحميدي طفيفة إلا أنه أكد استمرار حالة التوتر في المنطقة.

من جهة أخرى أكد أكرم القداحي -المتحدث باسم إدارة الأمن في الضالع عبر صفحته على «فيسبوك»- وجود تلك الاشتباكات وسبق وأن خاضت قوات «الحزام الأمني» وفصائل عسكرية موالية لـ «المجلس الانتقالي الجنوبي» مواجهات مع قوات عسكرية موالية لهادي في مدينة عدن أواخر يناير 2017.

من جانبها أفادت مصادر بأن القوات الموالية لأبوظبي نفذت انقلاباً مسلحاً وشنت هجوماً كبيراً على قوات تتبع للواء 33 مدرع ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية قولها إن «قوات من الحزام الأمني مدججة بالأسلحة والأطقم شنت هجوماً على نقطة تقع أمام اللواء 33 مدرع بالضالع واشتبكت مع الجنود الذين كانوا في النقطة لساعات طويلة».

وأوضحت المصادر أن قوات الحزام الأمني تمكنت من السيطرة على النقطة واعتقال كل الجنود التابعين للواء وقامت بنشر جنودها في النقطة ووصفت الصحيفة قوات «الحزام الأمني» بأنها خارجة عن سيطرة الشرعية وممولة من قبل دولة الإمارات .

وذكرت المصادر أن محافظ الضالع المعين من قبل هادي اللواء الركن علي مقبل صالح أصدر أمس السبت توجيهاً برفع جميع نقاط المحافظة وتسليمها دون استثناء لقوات الحزام الأمني محذراً كل من يحاول عرقلة تنفيذ الأوامر من تحمل المسؤولية.

وقالت إنه «لم يفهم بعد الهدف من توجيه المحافظ إلا أن مراقبين اعتبروا أنه يمثل تمرداً على حكومة هادي وتسهيلاً لسيطرة قوات الحزام الأمني التي وصفتها حكومة بن دغر بأنها قوات جهوية خارجة عن سيطرتها وطالبت بحلها ودمجها في إطار الجيش».

أئمة عدن على المنابر بأشرطة لاصقة رفضاً للاغتيالات

وفي سياق متصل فُوجئ المصلون في مساجد عدن يوم الجمعة بصعود الخطباء على المنابر بأشرطة لاصقة على أفواههم لدقائق مع بدء موعد الخطبة احتجاجاً على تزايد عمليات الاغتيالات بحق أئمة المساجد.

وتظاهر المئات في المدينة عقب صلاة الجمعة، للتنديد باغتيال خطباء المساجد والنشطاء وردد المتظاهرون – الذين جابوا عدداً من الشوارع وصولاً إلى مبنى المحافظة – هتافات تندد بحوادث الاغتيال وتطالب الأجهزة الأمنية بالقبض على الجناة وكشف من يقف وراءها.

كما طالب المتظاهرون بالقبض على منفّذي الاغتيال الذي تعرّض له خطيب مسجد العيسائي الشيخ عمر دوكم وزميله رفيق الأكحلي يوم الجمعة الماضي.

ونقلت وكالة «أسوشيتدبرس» الأميركية عن مسؤول أمني كبير في عدن قوله إن «الإمارات تقف وراء تنظيم عمليات الاغتيال بحق الدعاة وأئمة المساجد» وأثارت هذه الموجة حالة من الفزع والاضطراب في البلاد؛ مما تسبب في تقديم عدد من أئمة المساجد استقالاتهم، ومغادرة عشرات منهم البلاد.

مساعدات الرياض لليمن «هدية مثيرة للسخرية»

وفي سياق متصل قالت مجلة «تايم» الأميركية إن السعودية والإمارات تعهدتا بمبلغ 930 مليون دولار لليمن البلد الذي مزّقه العدوان والحرب ولقي فيه أكثر من 10 آلاف شخص حتفهم حتى الآن ولا تزال حياة الملايين معرضة للخطر بسبب المجاعة معتبرة أن هذه «هدية تثير السخرية» بالنظر إلى أن الرياض هي التي أشعلت هذه الحرب.

ولفتت إلى أن الرياض هي التي أطلقت الحملة العسكرية  العدائية علي اليمن في مارس 2015 مسببة «أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان في عصرنا» وفقاً للأمم المتحدة.

ونقلت المجلة – في تقرير لها – عن كريستين بيكرل -باحثة في «هيومن رايتس ووتش» وعادت مؤخراً من رحلة لتقصي الحقائق إلى اليمن – قولها إن تحالف العدوان السعودي «أدى إلى تفاقم» الكارثة الإنسانية في اليمن من خلال الشروع في حصار يوقف توزيع الغذاء والإمدادات الطبية وكان يجب على السعوديين أن يعرفوا جيداً أي نوع من التأثير كان سيحدث على 26 مليون يمني يعيشون في البلاد».

وقالت المجلة إن اليمن يحصل على حوالي 90% من احتياجاته الغذائية من خلال الموانئ الرئيسية مثل الحديدة وإذا تم تقييد هذه الواردات تتنبأ وكالات الإغاثة بالمجاعة الجماعية. وفي الوقت الراهن، تم رفع الحصار لكن التحالف الذي تقوده السعودية يواصل إغلاق المطارات ومنع الصحافيين وجماعات حقوق الإنسان من الوصول إلى مناطق شاسعة من البلاد.

ونقلت المجلة عن راضية المتوكل – من منظمة مواطنة لحقوق الإنسان اليمنية غير الربحية – قولها: إن الوضع في البلاد يزداد سوءاً وإذا أرادت السعودية مساعدتها يجب عليها إنهاء العدوان والحرب  وقالت في مقابلة هاتفية من العاصمة صنعاء: «كل يمني تأثر بهذه الحرب ولا أحد يفلت منها. أنت تنتظر الموت إذا كنت هنا وإذا بقيت على قيد الحياة فهذه مصادفة».

وتتابع المجلة قائلة : سواء كانت هذه الغارات الجوية متعمدة أم لا فمن الواضح أن صبر الحكومة الأميركية على مثل هذه الهجمات بدأ ينفد وأعرب وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن إحباط إدارة ترمب من تزايد أعداد القتلى عندما زار بن سلمان «البنتاجون» في 22 مارس المنصرم . وقال: «سننهي هذه الحرب وهذا هو الحد الأدنى»، وسننهيها بشروط إيجابية لشعب اليمن ولكن أيضاً لأمن الدول في شبه الجزيرة».

وأشارت المجلة إلى قيام الحكومة الأميركية بتقديم الذخائر والتزود بالوقود للطائرات الحربية السعودية منذ بدء العمليات العسكرية لأول مرة وقد عملت الحكومة الأميركية خلال تلك الفترة لمساعدة القادة السعوديين على تحسين عمليات الاستهداف من أجل التخفيف من قتل المدنيين. وأدى عدم وجود نتائج إلى تصويت مجلس الشيوخ على إنهاء الدعم العسكري الأميركي للحرب لكن هذا الجهد فشل.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا