المشهد اليمني الأول/

عندما عرف الحق سحرة فرعون ورأوه بأعينهم البصرية والبصيرية لم يثنهم ترغيب وترهيب أبطش الجبابرة في الأرض عن الأقرار به إقرارا لفظيا ونفسيا وعمليا ، بل لم تشكل عقود من الزمن وهم يعملون في السحر وما في السحر من ظلم للناس وتحريف الحقائق لنهب الأموال وتثبيت الأوضاع التي كانت مسيطرة عليهم ومهيئة لهم ليواصلوا عملهم ذلك والذي ينعكس عليهم بالثراء والسلطة على ان ينبذوا هذه الحياة وراء ظهورهم منتقلين من تبعية الباطل فرعون إلى تبعية الحق موسى وهارون رغم رفاهية العيش وأمنه في كنف فرعون والخوف والعذاب والتقطيع للأيدي والأرجل والصلب والجوع والفقر في كنف موسى … فلماذا يا ترى أقدم السحرة إلى هذا العمل ؟

هل يمكن ان نصف الأمر في جزئية “معرفتهم للحق” فقط أم ان هناك أمور اخرى بجانب المعرفة؟ فلو كان الأمر يقتصر على معرفة الحق فهناك بشر كثير على مر التاريخ يعرفون الحق ولكنهم لا يتبعونه بل يحاربوبه وعلى رأسهم اليهود (الذين يعرفون الحق كما يعرفون ابناءهم) ولكنهم يحاربونه ويستميتون في ذلك بكلما أوتوا من قوة ومال وافكار أيضا هناك كثير من العرب في عصرنا هذا يعرفون الباطل معرفة الأم ببنيها ومع ذلك ينبطحون له إنبطاحا شديدا.

سحرة فرعون جاءوا لإيقاق موسى عليه السلام عند حده بعد أن جمعوا سحرهم وكيدهم وقوتهم وكل سحار عليم متباهين بعلمهم هذا بل وصل بهم الأمر إلى ان يطلبوا من فرعون الأجر مقدما (وجاء السحرة فرعون قالوا ان لنا لأجرا ان كنا نحن الغالبون) فوجدوا تحفيزا عظيما من فرعون الذي كان يمني نفسه بأن ينتصر على موسى فوعدهم ماهو أعظم من الأجر (قال نعم وإنكم لمن المقربين) أي من كبار مستشاريه ومقربيه وأي منزله كان يحلم بها هؤلاء عند فرعون اعظم من ذلك ، هل تعايشتم الآن مع هذه النفسية التي عاشها في تلك اللحظة السحرة ، أو ليس هؤلاء السحرة موجودون في عصرنا الحالي يخدمون الباطل والشر وبأساليب شتى سواء في مجال الجيش والتسليح او مجال الإعلام او مجال السياسة او الإقتصاد والكل من هؤلاء يتسابقون للتقرب من ملوك وأمراء الشر سواء في الخليج او تل أبيب أو البيت الأبيض وللتقرب من عطاياهم !!

إذا ما الذي ميز السحرة في عصر موسى على السحرة هذه الأيام ؟ رغم ان النفسية التي يمتلكونها واحدة والرغبات واحدة والطموح والأهداف واحدة ، خاصة بعد ان عرف الجميع الحق والباطل في عصرنا كما عرف السحرة الحق الباطل من قبل ، وما الذي جعل سحرة فرعون يؤمنون بالله ورسوليه(موسى وهارون) من منطلق معرفتهم للحق في نفس الوقت مازال الكثير من سحرة هذا العصر يرفضون الإيمان بالحق رغم معرفتهم به ؟

سحرة فرعون استطاعوا في تلك اللحظة التي عرفوا فيها الحق ان يتغلبوا على نفسيتهم الخاضعة للدنيا وشهواتها وملذاتها وداسوا عليها بقوة ويقين وإندفاع دون تردد ولأن الموقف عظيم فكان لزاما على ان يتعاظم أكثر وأكثر فأنهالت الأبتلاءات عليهم والتي إما ستصقل نفسيتهم أكثر للحق او أنها ستعريهم وتفضح دسائسها (وقد خاب من دساها) فغضب عليهم جبروت من جبابرة الأرض فرعون وتوعدهم بأمور هم متيقنون انه سينفذها حالا إن لم يتراجعوا عن موقفهم (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين) ، ولكم الآن أن تعيشوا هذه اللحظة خاصة والسحرة لم يكونوا اولئك الذين يمتلكون تربية دينية مسبقة تساعدهم على الثبات في هذه المواقف بل كانوا طغاة عصاة يتلذذون بالدنيا ويتسابقون على متاعها ، نعم ثبتوا رغم انهم يرون الجلادين يستعدون للقيام بما أمرهم فرعون بل والأكثر من ذلك تحولوا إلى دعاة للحق ضد الباطل مبررين بذلك موقفهم هذا (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فأقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) ثم واصلوا توضيحهم بقولهم (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى) وهنا يتضح لنا جميعا أن المواقف العظيمة لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يقوم بها اصحاب النفوس المضطربة او المدسوس فيها مزيجا من الحق ومن الباطل بما يتوافق مع مصالحهم الشخصية او الحزبية او الفكرية دون ان تكون خالصة لله وحده ولا يصبر نفسه مع الذين آمنوا الا الذين لا يخشون احدا الا الله ولا يخشون اي عقاب دنيوي مهما عظم في أعين البشر وفق مقاييسهم البشرية حتى وان وجدنا بعض النفوس تقارع الباطل احيانا دون ان تمتلك نفسية مبنية على ان تكون خالصة لله كما يريدها الله آمرا به نبيه بقوله (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين “لا شريك له” ) لأن من يمزج في صراعه ضد الباطل انتماء شخصيا فهو يمزج باطلا في تحركه وهذا الباطل يشكل عقبة كبيرة في طريقه للوصول الى الحق ومناصرة الحق والأنتصار بالحق

الخوف من الأذى والعقاب والعذاب الدنيوي غالبا يشكل نفسية مهزوزة تجعل من صاحبها صامتا خانعا ذليلا للباطل عندما يدرك انه لو يتحرك ضده (ضمن مسئوليته) ولا نجد له همسا ونخسا وكلمة وصوتا إلا عندما يجد نفسه آمنا بشكل كلي فيتكلم وفقا لاهدافه الشخصية كأن يتكلم أناس ضد باطل آل سعود عندما يتعلق الأمر بجماعتهم (الإخوان المسلمين) وان هناك خطرا محدقا عليها من ال سعود ويصمتون عندما يكون هناك تقارب بينهما رغم انهم ميقنون كل اليقين ان آل سعود هم الشر كل الشر في الأرض كونهم يمثلون الماسونية الأمريكية في المنطقة وقس على ذلك.

الحق هو اسم من اسماء الله وحاشا للحق ان يكون جبانا او ضعيفا او مراوغا او منافقا او يمتلك مشروعا شخصيا حزبيا فئويا لا يتعلق بمشروع الحق الذي أنزله في القران الكريم ، وأينما تجد الحق على الاحرار في مشارق الأرض ومغاربها ان يتبعوه دون ان يكون لديهم أي اعتبارات مسبقة او يبنون تبعيتهم للحق على محددات سابقة صنعوها هم ،فهذا ليس حقا بل هذا الباطل بعينه .

عندما نجد أعلاميين مشهورين يمتلكون برامج منتشرة بكثرة يهاجمون الباطل واهل الباطل في الأرض ثم لا ينصرون الحق واهله فهنا كارثة كبرى وهنا اعمالهم مجزأة وغير مقبولة وليست ذات فائدة ، فمثلا وجدت برنامج للإعلامي المصري معتز مطر يتباكى بحرقة على طفل مجزرة عرس حجة الذي رفض ان يقوم من فوق جثة أبيه الشهيد جراء قصف طيران ال سعود للعرس وتباكى كثيرا عليه مهاجما الباطل من جزئية الموقف المؤلم الذي حصل ثم لم يقم الاعلامي بنصرة الحق واهل الحق وهم “أنصار الله” الذين يناهضون العدوان العالمي بل كان ضمن حديثه تبنيا لحديث الباطل نفسه في ان اليمن هي سبب ذلك عندما تكلم معتز مطر على ان (انصار الله) هم امتداد للمشروع الايراني في اليمن وهذا ما جلب صراع أدى لهذه المجزرة لينهي حديثه ببعض من الابيات الشعرية وكعادته … فأين معرفتك للحق ايها الأعلامي المخضرم وهل بالفعل انت تسعى للحق كائنا ما كان وعند من يكون كيفما يكون دون ان يكون لما تم بناءه في نفسيتك بناء مرتكزا على اهداف شخصية وفئوية وفكرية اي تأثير على سعيك للحق أو ان القضية جدلية عدائية بينك وبين اسرة ال سعود مثلا تستغل مثل هذه الاحداث لترسل رسائلك ضدهم ، فلماذا نجد سحرة فرعون يمتلكون نفسية أقوى من نفسيتك

ايضا هناك الكثير من الاعلاميين والسياسيين اليمنيين وغير اليمنيين ممن يصفون انصار الله وادارتهم للوضع وتحركهم في الارض ومعاملتهم واسلوب حربهم ضد المعتدين بأنه النموذج المثالي في مقارنة مع كارثية العمل الذي يقوم به التحالف بقيادة السعودية والامارات وادواته في الداخل فنجد مقالا لوكل وزارة الاوقاف التابع لهادي يتباكى على الاخطاء الكثيرة التي يقومون بها في مناطقهم التي تحت سيطرتهم ويقارن ذلك بإيجابيات قرآنية هي السائدة في مناطق من اسماهم الحوثيين (انصار الله) ثم في الاخير يطلق نداء للباطل الذي يعيش في صفه ويتمتع بثرواته وفي فنادقه ان يقوم بتعديل هذه الاخطاء في وقت انه كان يجب عليه ان يسعى للانضمام للحق حتى ولو كان الثمن نفسه وماله وأهله فلا يجب ان يكون سحرة فرعون أرفع شأنا واقوى نفسية منهم

وجدنا مقالا لمرتزق يمتلك منصبا سياسيا كبيرا في حكومة فنادق الرياض ايضا يتكلم بحسرة وألم عن معاملة السعودية لهم ولأعراضهم ويصفهم بالشياطين ثم لم يفقه هذا المرتزق ان الشيطان لا يعادي الا مؤمنا وأن الباطل دائما يتحالف ضد الحق وان يرى ان الحق لا يمكن ان يكون بعيدا عن انصار الله ويسابق الرياح للإيمام بقضية اليمن الحقيقية التي يتبناها انصار الله خاصة وقد تجرع مرارة الارتزاق والعبودية كما كان سحرة فرعون ينظرون للقضية .

ايضا نجد كثير من اعلاميهم كفتحي بن لزرق والذي بنيت نفسيته على المال وتوجيه قبلته نحو البترودولار اينما يكون فثم وجه الله (عنده) وجدنا غالبية مقالاته تصف أنه يقف مع الباطل كل الباطل وان ما يدور في مناطقهم التي يطلقون عليهم محررة امور كارثية شيطانية بسبب دول التحالف ثم لا ينفك الا وقد تجذرت قوائمه في اعماق البقاء مع الباطل وأهل الباطل .

وجدنا الكثير والكثير يصف جماعة انصار الله بالثبات والتماسك والتحرك الحقيقي وتصف انتصاراتهم بالمعجزات ولكنهم تعمى بصيرتهم او تتعامى على ان يطلقوها بقوة وإيمان وحب لله وحده بقولهم (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا) فما نعيش فيه من بينات ودلائل خلال 3اعوام وشهر تضاهي بحوالي ألف ألف مرة ما عاشه سحرة فرعون من بينات ودلائل ومع ذلك مازالت نفوسهم تأبى ان تعترف بالحق واهله وتنضم للحق واهله وتنفق امواله في نصرة الحق واهله وتبيع جمجمتها للحق وأهله بل مازالت تضع نفسها في مواجهة الحق واهله مع الباطل وحزبه ، فبأي حديث وبينات ودلائل بعد كل هذا سيؤمنون )؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: د.يوسف الحاضري

https://youtu.be/UUJLqhteE10

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا