المشهد اليمني الأول/

 

كان لافِتًا في الحَديث الذي أدْلَى بِه الرئيس بشار الأسد إلى مَحطَّة “روسيا اليوم” التلفزيونيّة وجَرى بَثُّه صباح اليوم الخميس، أنّه كان خالِيًا من أيِّ هُجومٍ على الدُّوَل الخليجيّة التي دعمت قُوّات المُعارضة المُسلَّحة، والمملكة العربيّة السعوديّة ودولة قطر على وجه الخُصوص، كما أنّ الرئيس السوري تجنَّب توجيه انتقادات لتركيا والمُطالبة بسَحب قواتها من شمال غرب سورية، مِثلما جرت العادة في مُعظَم مقابلاتِه السَّابِقة، وركَّز بالدَّرجةِ الأولى على قُوّات سورية الديمقراطيٍة ذات الغالبيّة الكُرديّة، التي تتمركَز في الأراضي السوريٍة، شَرق الفُرات وفي مدينة الرقّة، والقُوّات الأمريكيٍة الدَّاعِمة لها، ويَصِل تِعدادها إلى ألفيّ جُنديّ.

 

لا نَعرِف حقيقةً ما إذا كان ذلك مَقصودًا أم يعود إلى عدم توجيه المُحاوِرين له أسئلةً مُحدَّدةً في هذا الخُصوص، ولكن ما نَعرِفه، ومن خِلال مُقابلات سابِقة للرئيس السوري، حِرصَهُ على استغلال فُرصَة هذه المُقابلات لتَوجيه رسائل مُعيّنة، والحَديث عن قضايا تَهُم الجانب السوري، أو رسائل يُريد تَوجيهها سِواء للدَّاخِل السُّوري، أو للخارج الدولي، مِثلما جرى عندما تحدَّث، وفي المُقابلةِ نفسها، عن عدم وجود قُوّات إيرانيّة على الأراضي السوريّة، بل ضُبًّاط إيرانيين في الجيش السوري، والتأكيد على أنّ السُّلطات السوريّة لم تُرسِل مُقاتِلي الجماعات المُتشدِّدة إلى مِنطَقة إدلب، بل هُم الذين اختاروا ذلك لوُجود الحاضِنة المُلائِمة لهم.

 

تَجنُّب الرئيس الأسد الحَديث عن الجنوب السوري، ومِنطَقة درعا والقنيطرة على وَجه الخُصوص، يُوحِي بأنّ استعادة الجيش السوري لها باتَت مَحسومةً، سواء من خلال تَفاهماتٍ بين الرُّوس والأمريكان، أو اقتحام الجيش السوري لها عَسكريًّا في حالِ عدم التَّوصُّل إلى تَسوِية.

 

ما يُمكِن استخلاصُه من ثَنايا هذه المُقابلة وإجابات الرئيس الأسد حسب النَّص الرَّسمي الذي جَرى توزيعه على وسائل الإعلام، يُمكِن القول بأنّ معركة شَرق الفُرات ضِد قُوّات سورية الديمقراطيّة لاستعادة المَناطِق التي تُسيطِر عليها، وخاصَّةً شرق دير الزور حيث احتياطات النفط والغاز الهائِلة، باتت تتصدَّر أولويّات الجيش السوري في المَرحلةِ المُقبِلة، أمّا التأكيد على أنّ القوات الأمريكيّة ستُغادِر سورية مِثلما غادرت العراق، فإنّه يُوحِي بأنّ هُناك خُطَّةً ما جَرى وضعها لتَحقيق هذا الهدف، قد تتلخَّص في شَن حَرب عِصاباتٍ تستهدفها، والأجهزة الأمنيّة السوريّة تَملُك خُبرات واسِعة في هذا الإطار، أثمَرت استنزافًا للقُوّات الأمريكيّة المُحتلَّة للعِراق، وإجبارها على الخُروج تَقليصًا للخسائِر البشريّة والماديّة، فهل سيتكرَّر السِّيناريو نفسه قَريبًا.

 

من غير المُستَبعد أن يكون الرئيس الأسد أطلق التهديدات الصَّريحة باستخدام القُوّة لاستعادة المَناطِق التي تُسيطِر عليها قُوّات سورية الديمقراطيّة أراد توجيه رسالة تحذير مُزدَوجة إلى الأمريكيين أوّلاً، وإلى بعض الدُّول الخليجيّة، والسعوديّة تحديدًا، التي تُريد دعم قُوّات كرديّة عربيّة مُشتَركة في المِنطَقة بتَوجيهٍ أمريكيّ في مُثلَّث الحُدود السوريّة العراقيّة التركيّة، في إطار مُخطَّط لإقامَة كياناتٍ كُرديّةٍ وعشائريّة فيها خارج سَيطرة الحُكومة المَركزيّة في دِمَشق.

 

الأمر المُؤكَّد أنّ الرئيس السوري بعد إحكام سَيطرة قُوّاتِه على الغُوطة الشرقيّة، ومخيّم اليرموك، والحجر الأسود، وتأمين العاصِمة السوريّة كُليًّا، باتَ في وضع أقوى من أيِّ وَقتٍ مضى، وباتَ يَتطلَّع إلى الشرق حيث النِّفط والغاز وعَوائِدها الضروريّة لبِدء مَرحلة إعادة الإعمار المُقبِلة.

 

خِتامًا نقول بأنّ الفقرة الأقوَى في هذه المُقابِلة تَمثَّلت في “تَعفُّف” الرئيس السوري عن الرَّد على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووصْفِه له بـ”الحيوان” عندما قال “هذه ليسَت لُغَتِي ولا أستطيع أن استخدم لُغَتَه، لدينا قَولٌ مَعروفٌ وهو.. أنّ الكَلام صِفَة المُتَكلِّم”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا