المشهد اليمني الأول/

 

على امتداد القرن الأفريقي، استحوذ الحليفان: السعودية، والإمارات، على موانئ وقواعد عسكرية في الصومال، إلى جانب مواقع في جيبوتي وإريتريا في الشمال.

 

تدور معركة الهيمنة في الشرق الأوسط في ميناء أفريقي قديم تشترك فيه قوارب صيد «الداو» التقليدية الآن في مساحة كبيرة مع سفن الحاويات العملاقة المحملة على مدار الساعة من قبل رجال يرتدون سترات صفراء.

 

تقع بربرة، في جمهورية أرض الصومال الانفصالية صوماليلاند ، على ممر شحن ضيق يؤدي إلى قناة السويس وعلى بعد 260 ميل بحريّ من الحرب في اليمن. منذ العصور القديمة كان الساحل الاستراتيجي للمدينة محل تنافس من قبل القوى العسكرية والبحرية. وصفها المسافرون من الحقبة الاستعمارية بأنها «مفتاح البحر الأحمر»، وأصبح الميناء معقلاً عثمانياً، وبعد ذلك موقعاً استعمارياً بريطانياً.

 

وهذا يفسر ـ بحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية ـ السبب في تعهّد الإمارات العربية المتحدة، أقوى حليف للمملكة العربية السعودية، بما يقارب 450 مليون دولار للسيطرة على الميناء. في أماكن أخرى على امتداد القرن الأفريقي، استحوذ الحليفان السعودية والإمارات على موانئ وقواعد عسكرية في الصومال، إلى جانب مواقع في جيبوتي وإريتريا في الشمال.

 

وتركز قطر وتركيا اللتان تدعمان نموذجاً مختلفاً للإسلام السياسي، وهما أقرب إلى إيران، المنافس للسعودية، في الصومال والسودان. تمتلك الصين قاعدة عسكرية وميناء حاويات بلغت تكلفته 700 مليون دولار في جيبوتي، وتقوم باستكشاف مواقع في الصومال. في الوقت نفسه تقوم الولايات المتحدة بعمليات في أفريقيا، وتوجه طائرات بدون طيار في الخليج العربي من معسكر ليمونير في جيبوتي، أكبر قاعدة أميركية في القارة.

 

وقال التقرير: «بدأ التدافع من أجل السيطرة على المواقع الهامة، مثل بربرة يتسع على امتداد منطقة القرن الأفريقي وإلى الشمال تجاه البحر الأحمر. وبات السلام غير المستقر على المحك في واحدة من أكثر مناطق العالم تقلّباً وأهمّها استراتيجياً، وتأثيراً على توازن القوى في الشرق الأوسط».

 

وأضاف التقرير أنه في الوقت نفسه تعد قناة السويس القريبة أسرع خطوط الشحن وأكثرها استخداماً لربط آسيا بأوروبا. تتكفّل قناة السويس بحوالي 10 في المئة من التجارة العالمية المنقولة بحراً، بما في ذلك 10 في المئة تقريباً من تجارة النفط في العالم، وفقاً للأمم المتحدة وإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

 

ونقل التقرير عن سعد علي شيري، وزير خارجية صوماليلاند، قوله: «لدينا لاعبون جدد على الساحة منافسة في الشرق الأوسط بين السنة والشيعة والأميركيين والروس والأتراك والقطريين. إنه اجتماع مسموم لمصالح متقاربة».

 

وفقاً للتقرير، تعتبر بربرة وغيرها من المواقع على امتداد الساحل الشمالي للقرن الأفريقي مهمة بسبب قربها من اليمن، وهي ساحة للتنافس بين إيران والسعودية، تمتد في أنحاء الشرق الأوسط. تخوض السعودية حرباً ضدّ المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران منذ عام 2015 بدعم من حلفاء مثل الإمارات، وتنفي إيران تسليح الحوثيين أو تدريبهم.

 

وتقول الأمم المتحدة ومحقّقون مستقلون: «إن إيران استخدمت موانئ في السودان والصومال لتهريب أسلحة لحزب الله وللحلفاء في اليمن، دعماً للسعودية في اليمن، أنشأت الإمارات قاعدة عسكرية في إريتريا في منطقة معزولة وسرّية في عام 2016 كانت نقطة انطلاق لطائرات بدون طيار وضربات جوية في منطقة المعركة».

تعقيدات كثيرة

ثمة تعقيدات أخرى كثيرة. تشعر السعودية وحلفاؤها بالقلق من الجماعات الجهادية، بما في ذلك «داعش» وتنظيم «القاعدة»، التي تعزّز قوتها في شبه الجزيرة العربية.

 

وقال التقرير: «إن الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات العام الماضي على قطر، مدعين دعم الدولة الخليجية للإرهاب، قد صعد التحالفات التقليدية. ودفعت الأزمة الدبلوماسية إلى إعادة تنظيم التحالفات والاتفاقات في الساحل الأفريقي الفقير المعرض للصراعات، حيث رحبت الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان بأكثر من ملياري دولار من الاستثمارات من دول الشرق الأوسط الأكثر ثراء منذ عام 2016».

 

ونقل التقرير عن رشيد عبدي، الخبير في شؤون المنطقة في مجموعة الأزمات الدولية، التي تتخذ من بروكسل مقرّاً لها، قوله: «لقد أدّت الاضطرابات في الخليج إلى تأجيج وعسكرة الأوضاع المضطربة بالفعل في القرن الأفريقي. تريد القوى الخليجية السيطرة على هذه المنطقة لدعم مستقبل اقتصادي لا يعتمد بالكامل على إنتاج النفط، وحتى تكون مستعدة لحرب مستقبلية محتملة مع إيران».

 

ويقول دبلوماسيون غربيون: «إن الوضع ترك واشنطن في موقف نفوذ ضعيف. لا تملك الولايات المتحدة سوى القليل من الاستثمارات التجارية في المنطقة، ولكنها أنفقت عشرات المليارات من الدولارات على البرامج العسكرية، بما في ذلك الجهود المبذولة لمكافحة القرصنة في العقود الأخيرة، وزادت من هجمات الطائرات بدون طيار وعمليات القوات الخاصة ضد الجهاديين في الصومال»، بحسب ما أورده التقرير.

 

وقال بايتون كنوبف من «معهد الولايات المتحدة للسلام»، وهو مركز أبحاث غير حزبي يتخذ من واشنطن مقرّاً له: «لا يوجد دليل على وجود استراتيجية أميركية متماسكة للتعامل مع الانقسامات في القرن الأفريقي وعسكرة البحر الأحمر». ولم يرد مسؤولو وزارة الخارجية على طلبات التعليق من قبل الصحيفة الأميركية.

 

وقالت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون : «إن التوترات اشتعلت في أيار الماضي عندما استخدم أفراد عسكريون صينيون في قاعدة جيبوتي جهاز ليزر يعمل بقوة عالية لمضايقة أطقم الطيران الأميركية من معسكر ليمونير».

 

قادت المناورات التي تسعى للاستحواذ على أكبر مساحة ممكنة في هذه المنطقة، إلى اجتذاب العديد من اللاعبين الدوليين، من بينهم شركة موانئ دبي للشحن المملوكة للإمارات، وشركة تركية تملكها عائلة صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وضابط البحرية الأميركية السابق، إريك برنس، الذي يسعى إلى تطوير ميناء في جنوب العاصمة مقديشو. فيما تمتلك فرنسا وإيران قواعد عسكرية، وتحاول روسيا حالياً استكشاف المواقع لإيجاد اتفاق مناسب.

 

يساهم السودان، الذي تخلص من تحالف طويل الأمد مع إيران لتأمين استثمارات من السعودية، بنحو 5 آلاف جندي في الحرب في اليمن، ويسعى للحفاظ بعناية على علاقاته مع طرفي النزاع في الشرق الأوسط في محاولة لإنقاذ نفسه من الانهيار الاقتصادي.

حضور كبير لموانئ دبي

في شهر كانون الأول حصلت تركيا على حقوق تطوير جزيرة سواكن، وهي موقع عثماني سابق في السودان. توصلت قطر في أذار الماضي إلى اتفاق مبدئي مع السودان لإنفاق 4 مليارات دولار لتطوير ميناء قريب من البر الرئيس للسودان. وفي حال تم الانتهاء منه، فسيكون أكبر استثمار مخطط له في منافذ المنطقة حتى الآن.

 

بربرة، وهي مدينة ساحلية يبلغ عدد سكّانها حوالي 200 ألف نسمة، هي محور التركيز العسكري والتجاري. أقام السوفيت قاعدة عسكرية كبيرة هنا خلال الستينات والسبعينات، لتتولى الولايات المتحدة السيطرة في الثمانينات، بعد أن توقف السوفيت عن دعم الديكتاتور سياد بري. كما خططت الولايات المتحدة لاستغلال مدرج مطار بيربيرا، وهو واحد من أطول الممرات في أفريقيا، كمدرج هبوط طارئ محتمل لمركبات الفضاء.

 

عندما أبرمت شركة موانئ دبي العالمية، ثالث أكبر مشغل للموانئ في العالم، صفقة بقيمة 442 مليون دولار لتحديث وإدارة ميناء بربرة في منتصف عام 2016، تبع ذلك اتفاق عسكري أكثر ربحًا بين صوماليلاند والإمارات. بموجب الاتفاق تتولى الإمارات تجديد القاعدة العسكرية القديمة، بالإضافة إلى ميناء صغير قريب للاستخدام العسكري لمدة 25 عاماً.

 

وقالت موانئ دبي العالمية إنها عزّزت حركة المرور في الميناء التجاري بأكثر من 20 في المئة في العام الماضي. جلبت مؤخراً معدات الشحن الحديثة لتسريع التحميل والتفريغ من السفن، وتخطط الشركة هذا الشهر لبدء توسيع الرصيف.

 

وأضافت الشركة إن أعمال توسعة بربرة هي جزء من استراتيجية لتأمين المزيد من نقاط الوصول على امتداد القرن الأفريقي وإلى مزيد من المناطق الداخلية مما يساعد على زيادة التجارة مع الاقتصادات سريعة النمو مثل إثيوبيا والاستفادة من الطبقة الاستهلاكية المتضخمة في شرق أفريقيا. فيما قال وزير خارجية صوماليلاند: «إن الاتفاق مع الإمارات يشمل بناء طرق جديدة لربط الميناء التجاري بالحدود الإثيوبية وتمويل برامج التعليم والرعاية الصحية».

 

وقال سكان صوماليلاند الذين عزلوا لفترة طويلة بعد إعلان استقلالهم عن الصومال في عام 1991 إنهم يأملون في أن يربطهم أول اعتراف اقتصادي كبير بالتجارة الإقليمية، ويساعد في تعزيز قوات الجيش التي تشكلت حديثًا. يتم التعامل مع صوماليلاند باعتبارها مستقلة بحكم الأمر الواقع عن الصومال من قبل العديد من البلدان، على الرغم من أنه لم يتم الاعتراف بها رسمياً على هذا النحو.

 

وقالت حمدة عبد الرحمن، البالغة من العمر 24 عاماً، التي تعمل طاهية في مطعم والدتها في وسط المدينة: «إن التحسينات المأمولة في الميناء ستجلب المزيد من الناس إلى هنا الأعمال تزداد يوماً بعد يوم». يذكر أن موانئ دبي العالمية هي أكبر جهة عمل في القطاع الخاص في صوماليلاند، حيث يبلغ عدد العاملين بها 2200 عامل.

بيئة خصبة للحروب

وذكر التقرير أن أسعار العقارات قد ارتفعت بما يصل إلى 100 في المئة على طول الواجهة البحرية، ويجري بناء المركبات بالقرب من المحيط، كما يتم تحديث الفنادق القديمة. ويخشى آخرون أن تأتي الاستثمارات بثمن باهظ للغاية، حيث يتم جر البلاد إلى مزيد من الصراعات في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي. لقد تفاقمت الخلافات بين صوماليلاند والصومال ـ وهي بلد مزقته الحرب لعقود ـ بسبب الأزمة السياسية في الخليج بسبب قطر.

 

تقسم الصومال بحسب نموذج الحكم الغربي إلى ولايات فيدرالية. وقال التقرير: إن ثمة خلافات بين بين نصف الولايات والرئيس محمد عبد الله محمد، إذ ينظر إليه منتقدوه باعتباره منحازاً إلى إلى قطر في الأزمة الخليجية، رغم أنه كان قد تمسك بموقف محايد في خطاب رسمي. وكانت بعض الولايات قد أعلنت عن دعمها للإمارات والسعودية.

 

فيما نظرت حكومة مقديشو إلى اتفاق الاستثمار الإماراتي في ميناء بربرة خطوة غير قانونية، وتقدمت بشكوى رسمية للأمم المتحدة. وكانت العلاقات الصومالية الإماراتية قد شهدت أزمة حادة في نيسان، عندما صادر ضباط صوماليون مبلغ 9.6 مليون دولار من على متن طائرة إماراتية.

 

فيما قالت الإمارات إن تلك الأموال كانت مخصّصة لدفع رواتب وتكاليف قاعدتها العسكرية في مقديشو، التي تتمركز فيها القوات الإماراتية منذ عام 2014 لتدريب القوات الصومالية لمواجهة حركة الشباب، الفرع المحلي لتنظيم القاعدة.

 

وفي كانون الثاني، وصلت 103 حاوية لا تحمل أي علامات إلى ميناء مقديشو من ميناء جدة السعودي. وبحث المسؤولون في حيرة لاكتشاف الحاويات التي كانت تحمل ملايين من الذخيرة الصينية الصنع، والبنادق الهجومية AK-47 ، والبنادق الآلية من نوع DShK ، والقذائف الصاروخية المحمولة على الكتف، كما قال أشخاص مطلعون على هذه المسألة. في الأسابيع القليلة الماضية، وصلت 57 حاوية أخرى ذات محتويات مماثلة من السعودية.

 

هذه الشحنات كانت مخصصة لجزء من القوات الصومالية بموجب اتفاق بين السعودية والإدارة الصومالية السابقة، وفقاًَ لمسؤولين بارزين من المجتمع الدولي حول هذه المسألة. ولم يرد المسؤولون السعوديون على طلبات للتعليق من قبل الصحيفة. بقيت معظم هذه الحاويات التي كانت تقبع في درجات حرارة أعلى من 100 درجة لشهور تحت حراسة الجيش الوطني الصومالي مما يثير مخاوف من أن يتم نقل الذخيرة إلى الميليشيات المتحاربة أو إلى حركة الشباب، أو تنفجر نتيجة لدرجات الحرارة المرتفعة.

 

وقال دبلوماسي غربي كبير: «هذا نموذج مثالي لكيفية انفجار الأمور حرفيًا في البيئة الحالية. إذا كان هناك نزاع فسوف ينتشر كالنار في الهشيم».

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا