المشهد اليمني الأول/

 

يواصل المجتمع الدولي تواطئه في الملف اليمني، ففي حين يحذر من تداعيات إنسانية كارثية بسبب حملة تحالف العدوان على الحديدة، يعجز عن إيقاف تهديدات العدوان بإرتكاب هذه الجريمة، بعد تورطه بجريمة نقل البنك المركزي التي حذر من تداعياتها هو نفسه، وفَشِلَ في الوفاء بوعود قطعها بتحييد مرتبات الموظفين وعدم تجييرها كأداة حرب تستخدم على اليمنيين وتزيد من الأوضاع الإنسانية تدهوراً.

الجريمة الثانية للمجتمع الدولي

على ذات النمط وتكراراً للجريمة السابقة بالتغاضي عن نقل البنك وعدم الوفاء بإلتزاماته تجاه مئات آلاف الموظفين متسبباً بكارثة إنسانية، يواصل المجتمع الدولي جريمته الثانية بعدم ثني تحالف العدوان عن معركة الحديدة والسيطرة على الميناء ليتم إستخدامه كورقة ضغط كما تم إستخدام البنك المركزي، ما سيؤدي إلى كارثة إنسانية ومجاعة قاتلة للملايين.

 

المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ​”زيد بن رعد” كان قد أعرب​ عن قلقه من تداعيات عملية الحديدة على الوضع الإنساني في اليمن، وكان مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية قد حذر من الهجوم على مدينة الحديدة، لتهديده حياة مئات الآلاف من الأشخاص.

تجاهل الشرعية التوافقية

يمر النظام السياسي في البلاد الآن بفترة إنتقالية “شرعية إنتقالية” قائمة على “التوافقية” بعد توقيع إتفاق السلم والشراكة 2014م والمبادرة الخليجية 2011م والتي إنقلب تحالف العدوان على مخرجاتها بمحاولة فرض مخرجات غير توافقية قائمة على إعلان دولة إتحادية مكونة من 6 أقاليم بعيدة عن التوافق للمكونات السياسية، المُتَّفِقة بموجب “إتفاق السلم والشراكة” على تعديل مسودة دستور غير توافقي يتحدث عن دولة إتحادية قبل طرحه للإستفتاء الشعبي، والعودة إلى حوار ومناقشة تنتهي بالحل التوافقي بمشاركة جميع الأطراف، وهو ما يتجاهله المجتمع الدولي الذي تورط بإصدار القرار الأممي 2216 الغير قابل للتطبيق بإقرار المبعوث السابق لليمن إسماعيل ولد الشيخ، إذ يُعتبر القرار “تصفية عرقية” للحوثيين بالإنسحاب من المدن، ويتجاهل إتفاق السلم والشراكة، ويطرح دستوراً للإستفتاء الشعبي قبل التوافق عليه.

 

ما ترفضه صنعاء هو تجاهل المجتمع الدولي للشرعية القائمة على التوافق والشراكة بين جميع الأطراف، أي بدلاً من الإنسحاب من المدن وتسليم السلاح كان يجب إقتراح تشكيل مجلس عسكري من جميع الأطراف يشارك بجمع وتسليم السلاح وتولي مهمة فرض الحل السياسي التوافقي، وبدلاً من الإقصاء والتصفية العرقية كان يجب إيجاد آلية لمكافحة تنظيم القاعدة والذي إشتد عوده بتوفير تحالف العدوان الغطاء السياسي والعسكري لعملياته ضد الجيش واللجان الشعبية، كما يجب إيجاد آلية لخروج قوات الإحتلال والتي بذريعة الشرعية تحتل جزيرة سقطرى الخالية من أي إشتباك عسكري، وبدلاً من فرض رؤية أحادية غير توافقية كان يجب البدء من حيث إنتهى اليمنيين قبل تدخل العدوان، تحديداً عند نقطة “تصحيح وضع الدستور” بموجب إتفاق السلم والشراكة.

 

خلو جميع المقترحات الأممية من الحلول التوافقية، ومحاولة فرض شروط المنتصر الإقصائية والعودة إلى نقطة الصفر بالحديث عن الدولة الإتحادية هو ما يشير إلى إنعدام النوايا الجدية بأي حلول سلمية، وهو الإنقلاب الحقيقي على الشرعية التوافقية والشراكة سواء بالمبادرة الخليجية أو إتفاق السلم والشراكة، هذا التجاهل أثبت ويثبت كل يوم أنه ما كان له أن يكون لولا مخطط الخارج الإستعماري للنهب والتقسيم وإصراره على فرض ذلك هذه الرؤية الأحادية بالقوة العسكرية الغاشمة، أليس من الأفضل على الجميع بذل الجهود والطاقات على طاولة الحوار حتى إخراج صيغة توافقية ستخرج لا محالة أم بذل الطاقات والجهود لفرض رؤية أحادية إقصائية بالقوة العسكرية.

هروب للأمام بعيداً عن التوافق

طالما كان طرح تحالف العدوان بعيداً عن التوافق فلا بد من كسر القوى الوطنية الصامدة لتمرير مشروع الدولة الإتحادية بستة أقاليم لحسابات تتعلق بحصص شركات نفط برأس مال يهودي وتنصيب واجهات إجتماعية تدين بالولاء لهم، وحسابات أخرى لا مجال لذكرها هنا وحسابات ربما لا نعلمها، لكن الأكيد أن الأطراف السياسية المحلية التي أيدت تحالف العدوان لا تملك قرارها، واختاروا الهروب للأمام بعيداً عن أي مساعي توافقية بقيادة أمريكية بريطانية واضحة بإستمرار تدفق السلاح والغطاء السياسي على الرغم من المعارضات المتكررة في بلدانهم ومنظمات حقوقية.

 

ناطق أنصار الله الأستاذ “محمد عبدالسلام” وفي كلمة له أمام حكماء وعقلاء اليمن العام الفائت كشف عن تفاصيل خطيرة بشأن سير مشاورات السلام اليمنية، وتعثرها بمطبات مصطنعة من تحالف العدوان، وقال بوضوح أن أمريكا وبريطانيا تحدثت للوفد الوطني المفاوض في الكويت بأن عدم القبول بالرؤية الأحادية تعني تحمُّل البلاد تبعات إقتصادية شاقة، وكان تلويحاً صريحاً بالتحضير لمرحلة إخضاع إقتصادي جديدة، تُرجمت لاحقاً بنقل البنك المركزي وحرب إقتصادية شعواء على العملة، ثم محاولة إنقلاب ميليشيا الخيانة من الداخل، كان قد عبَّرَ عنها السفير الأمريكي لدى اليمن “ماثيو تولر” بشكل صريح بتلقي إشارات إيجابية من المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، واليوم تأتي أهداف السيطرة على ميناء الحديدة أو تعطيله إستكمالاً لمسلسل الإخضاع الإقتصادي بعد التعثر العسكري، لهذا يتحدث المجتمع الدولي عن كارثة إنسانية بحال وصول تحالف العدوان للميناء، كما تحدث عن كارثة نقل البنك المركزي.

 

مندوب روسيا السابق لدى الأمم المتحدة “فيتالي تشوركين” إنتقد بوضوح تركيز ورقة المبعوث الأممي السابق “ولد الشيخ” على الجوانب العسكرية وخلوها من الترتيبات السياسية ومحاولة فرض الرؤية الأحادية، مشيراً أن ذلك أدى لإنهيار مشاورات السلام في الكويت 2016م، ما يعني ضرورة أن يكون الحل توافقياً بالدرجة الأولى، وحديثه عن الرؤية السياسية تعني ضرورة إستبدال “هادي”، وهو ما يتجنبه تحالف العدوان خشية تحمل التبعات القانونية للحرب.

 

مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن “مارتن جريفيث” اليوم يبدو أنه يحذو حذو سلفه، ولا بد أن يتعثر هو الآخر، بسبب مواصلة قوى العدوان رفض أي مقترحات أممية توافقية، وإصرارها على فرض رؤية أحادية إقصائية، يتم فيها سحق الطرف الآخر وفرض شروط المنتصر بالسياسة بعد التعثر العسكري.

تدمير الميناء بعد تعثر السيطرة عليه

مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة، السفيرة “كارين بيرس”، شددت على أنه في أي ترتيبات لميناء الحديدة، يجب أن الحفاظ على بقاء الميناء مفتوحاً، وأيضاً على ضمان عدم تهريب الأسلحة إلى جماعة الحوثيين.. وهو ذات الحديث لتبرير دعم ومشاركة بريطانيا وأمريكا وفرنسا في هجوم الحديدة، هذا المبرر نقضهُ الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” بإعلانه “عدم وجود أي أدلة تشير لإستخدام ميناء الحديدة في تهريب الأسلحة”.

 

الأمر المختلف هنا عن البنك المركزي اليمني، أن الوضع الإنساني سيحمل أمريكا وبريطانيا العبئ الأخلاقي أمام العالم، وهو ما تخشاه بريطانيا وأمريكا وفرنسا، والتسبب بمفاقمة الوضع الإنساني المُصنف مسبقاً بأم الكوارث العالمية حسب الأمم المتحدة سيكون محرجاً وغير محتملاً.

 

وتسعى الدول المتورطة لبث شائعات تفخيخ الحوثيين للميناء ومشاركة قوات فرنسية لنزع تلك الألغام، وهو ما نفته وصول شحنة إنسانية مؤخراً للميناء بعد تلك الشائعات الممهدة لتدمير الميناء بعد تعثر السيطرة عليه وصعوبة إقناع العالم بالرؤية التي ترى بالسيطرة على الميناء إجبار الحوثيين العودة إلى طاولة المفاوضات “بالإخضاع الإقتصادي القاتل لمئات الآلاف” ويريد تحالف العدوان فيها فرض شروط المنتصر الإقصائية والغير توافقية، وهي ذاتها التي يريد فرضها اليوم قبل السيطرة على الميناء.

 

وتقر الأمم المتحدة أن الهجوم على الحديدة يزيد من معاناة اليمنيين، إذ يعتمد حوالي 19 مليون يمني، يشكلون 70 بالمائة من السكان، على المواد الغذائية التجارية والإنسانية الواردة عبر ميناء الحديدة، وتسبب العدوان المستمر منذ أكثر من ثلاثة أعوام بأوضاع معيشية وصحية متردية للغاية، وبات معظم السكان بحاجة لمساعدات إنسانية، وارتكب تحالف العدوان عشرات المجازر المروعة أدت لإستشهاد أكثر من 35 ألف مواطن مدني أغلبهم أطفال ونساء حسب آخر إحصائية أصدرتها وزارة الصحة اليمنية في صنعاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

جميل أنعم العبسي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا