المشهد اليمني الأول/

 

لم يكد المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، يحطّ في مدينة عدن حتى غادرها بعد لقاء سريع مع الفار عبد ربه منصور هادي، سرعة قرأ فيها مراقبون مؤشراً سلبياً على الأوضاع المتردية أمنيا من جهة، وعلى ما دار خلال اللقاء بشأن المقترح الأممي لوقف الهجوم على الحديدة من جهة أخرى.

 

وهو ما أكده وزير خارجية المنافقين، خالد اليماني، عقب اللقاء، حيث طالب بـ«الانسحاب الكامل للحوثيين من مدينة الحديدة ومينائها، ودخول قوات من وزارة الداخلية إلى المنطقة»،.

 

ولا يعدو موقف هادي وحكومته كونه انعكاساً للتشدد الإماراتي – السعودي في رفض المقترح الأممي، الذي يعني القبول به عملياً إسقاط ذريعة تهريب الأسلحة عبر ميناء الحديدة، والإقرار بشرعية وجود «أنصار الله» في المدينة ومينائها (إذ إن المقترح ينصّ على استمرار الموظفين التابعين لحكومة الإنقاذ في مزاولة مهماتهم داخل الميناء)، فضلاً عن أن اتفاقاً من هذا النوع يمكن أن يؤسس لتسوية شاملة لن تكون والحال هذه في مصلحة أبو ظبي والرياض.

سعي للهجوم نتيجته محسومه لصالح الجيش واللجان الشعبية

من هنا، لا يبدو أن أمام الإمارات والسعودية من خيار سوى العمل على فكّ الحصار المفروض على قواتهما المنتشرة في الشريط الساحلي غرب اليمن. ورغم ما ينطوي عليه المضي في هذا الخيار من تكلفة باهظة، وما سيستغرقه من وقت، إلا أن تحالف العدوان يواصل التلويح به، بل وبدأت أمس تنفيذه عملياً، بإطلاقها هجوماً على منطقة الفازة جنوب مديرية التحيتا، سعياً لاستعادة خطوط إمدادها المارة من هناك.

 

ويأتي هذا الهجوم بعدما تقطعت السبل بالغزاة والمنافقين في أكثر من نقطة على الساحل الغربي، حتى باتت عاجزة عن الحركة، وهو ما تتتالى الاعترافات به على المقلب الإماراتي – السعودي، حتى من شخصيات رفيعة كوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، الذي أعاد أمس عقرب العمليات إلى نقطة السعي في «تأمين مطار الحديدة»، عازياً بطء التقدم إلى «(انتشار) القناصة الحوثيين، والمدافع الرشاشة، وإطلاق النار من المناطق المدنية».

 

وكان قد إعترفت مصادر للمرتزقة بقولها إن 1250 جندياً من مرتزقة «ألوية العمالقة» ومرتزقة «المقاومة التهامية» محاصرون في منطقة الدريهمي القريبة من مطار الحديدة، «الأمر الذي يهدد بإبادتهم عبر القصف بسلاح الهاون فقط»، وإن «القوات الموالية للحوثيين تمكنت من قطع طرق إمداد ثلاثة ألوية من قوات العمالقة بعد سيطرتها على منطقتي الفازة والجاح».

 

وتشكّل هذه الأنباء استكمالاً لاعتراف متدرج برواية الجيش واللجان الشعبية، التي تؤكد أن المرتزقة لم يتمكنوا من السيطرة على المطار، وهو ما تقرّ به الأخيرة مُرجِعةً الأمر إلى «شبكة الألغام والتحصينات العسكرية المحكمة»، وأن المهاجِمين باتوا محصورين بين فكي كماشة ولا منفذ أمامهم سوى البحر، وأن القوات المنتشرة على الشريط الساحلي تتعرض لعمليات استنزاف متواصلة كبدتها إلى الآن خسائر بشرية ومادية كبيرة، تماماً مثلما كان توقع قائد الثورة، السيد عبد الملك الحوثي، الذي توعد بجعل الساحل الغربي «مستنقعاً يغرق فيه الغزاة».

 

وقد أدت آخر تلك العمليات، في منطقة الفازة، إلى مصرع قيادي للمرتزقة ومرافقيه، و«تدمير طقم عسكري للمرتزقة ومصرع من كانوا على متنه في المنطقة نفسها»، كذلك مصرع وإصابة عدد من الغزاة والمرتزقة إثر تدمير آليتين محملة بهم في جبهة الساحل الغربي بصواريخ موجهة، كما أفاد مصدر عسكري للمشهد اليمني الأول عن شن أكثر من 100 صاروخ من طائرات الأباتشي و20 غارة من الطيران الحربي على مديرية التحيتا منذ الصباح.

 

فضلاً عن «استهداف مخزن أسلحة لمرتزقة العدوان في منطقة النخيلة بالدريهمي، ما أدى إلى احتراقه بالكامل». ويوم أمس، أطلقت القوة الصاروخية في الجيش واللجان صاروخاً باليستياً من نوع «قاهر M 2» على «تجمعات الغزاة والمرتزقة في الساحل الغربي».

خلافات وتفكك

وولّد تصاعد حالة الاستنزاف هذه خلافات داخل صفوف منافقي العدوان، خصوصاً بعدما آثر مقاتلون كثر تحت لواء المرتزق طارق عفاش، الانكفاء عن القتال، فيما رفضت مرتزقة «المقاومة التهامية» التقدم إلى الجبهات الأمامية، مُفضِّلةً العمل في حراسة المواقع العسكرية في المخاء والخوخة. وهذا ما جعل «ألوية العمالقة» السلفية، التي ينتمي معظم عناصرها إلى المحافظات الجنوبية، وحيدة في صدارة المواجهة، ودَفَعها إلى اتهام شركائها في العمليات بـ«التقاعس».

 

وإلى جانب خيبتَي الاستنزاف والتخاذل، جاء فشل رهان الإمارات والسعودية – بناءً على معلومات مغلوطة قدمها إليهما المرتزق طارق صالح وجوقته الإعلامية الخصبة الخيال بأن أهل الحديدة سينتفضون على الجيش واللجان الشعبية، وسيستقبلون الخليجيين بالورود بوصفهم فاتحين. رهان أثبت الواقع زيفه، ولا سيما أن تجارب تحالف العدوان المخزية في عدن وتعز لا تزال ماثلة أمام الجميع، بمن فيهم أبناء تهامة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا