المشهد اليمني الأول/

 

يستبق التحالف اتفاق السلام في اليمن بالتأكيد على ضرورة بقائه، وهو الذي عمد منذ الوهلة الأولى على تشييد القواعد العسكرية والاستيلاء على الموانئ الاستراتيجية، وحتى لا يضغط المجتمع الدولي أو تشترط الأطراف اليمنية خروجه كما خرجت الولايات المتحدة من سوريا والعراق ومستقبلاً من أفغانستان، واصل نثر المخاوف الدولية من أن التنظيمات الإرهابية التي اختفت قد تعود من جديد وقد ألبسها بنفسه ثوب السلطة وسلحها بأحدث المعدات العسكرية.

 

يدرك التحالف بأن بقاءه في شمال اليمن مستحيلاً، وهو الذي لم يحقق إنجازاً يذكر على الأرض، وحتى في غرب البلاد وقد قطعت بريطانيا الطريق على أطماعه باتفاق السويد، ولكي يحفظ ماء وجهه يحاول التشبث بما حققه من إنجاز جنوب اليمن بعدما أخضع الأهالي على القبول به كواقع، وروَّض الأرض بتشييد معسكرات وقواعد عسكرية تنتشر في الجزر والسواحل انطلاقاً من باب المندب وحتى المهرة، وكل ذلك في سبيل الهيمنة على أهم الممرات الملاحية في العالم والتحكم بعائداتها، إضافة إلى تأمين مرور شحناته من النفط والغاز بعيداً عن مضيق هرمز الذي تتحكم به إيران وتهدد بإغلاقه.

 

لن يغادر التحالف جنوب اليمن على المدى القريب، وهو الذي شن حرباً طاحنة في 2015 وجند لها من كل بقاع العالم باسم “إعادة الشرعية”، لكن اليوم وقد تداعى العالم لفرض اتفاق سلام بغية حقن ما تبقى من دماء لليمنيين قاطعاً الطريق عليه يعيد حياكة المشهد، فما كان بالأمس حرباً على “الحوثيين” بات اليوم على القاعدة وغداً على داعش، وهكذا ستنسج الفصائل وستغزل الروايات، لا لهدف سوى بقاء التحالف وإن دفع المواطنون ثمن ذلك باهظاً، فالتحالف الذي يدفع حالياً بتوحيد الفصائل الانفصالية في الجنوب للدفع بها لفرض واقع عسكري أو سياسي موحد على الأرض يضمن الحفاظ على مصالحه، كما جاهر بذلك رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي مؤخراً،

 

بدأت وسائل إعلامه تروي قصصاً عن التنظيمات الإرهابية التي أخمدها التحالف باتفاقيات لم تعد خافية على الإعلام الغربي الذي ألَّف منها القصص والتقارير، فبينما كان يتحدث عبدالرحمن الراشد المقرب من دوائر صنع القرار في السعودية عن الفراغ الذي سيخلفه انسحاب التحالف من جنوب اليمن وحاجة هذه المنطقة للتحالف على المدى البعيد، واصلت صحيفة الخليج الإماراتية السير على ذات المنوال وقد خصصت افتتاحية عددها ليوم الثلاثاء للتحذير من المخاوف الذي قد يخلفه انسحاب التحالف، والتهديد بأن التنظيمات المتطرفة في اليمن قد تكون أخطر وقد احتشدت من كافة بقاع العالم.

 

قد يصدق التحالف في الحديث عن خطر القاعدة وداعش وبقية التنظيمات الإرهابية في جنوب اليمن، فهذه التنظيمات منتشرة بكثرة وتمتلك أكبر القواعد العسكرية في مناطق جنوب وشرق اليمن، باعتراف وسائل إعلام أمريكية وبريطانية أجرت تحقيقات استقصائية في تلك المناطق، وكشفت على لسان ضباط إماراتيين تجنيد التحالف لعناصر التنظيمات الإرهابية بحكم قتالها الأيديولوجي ضد الحوثيين، أضف إلى ذلك بأن جميع العمليات التي ادعت الإمارات تنفيذها منذ توقيعها اتفاقاً مع الولايات المتحدة لتولي ملف مكافحة الإرهاب لم تشهد إطلاق رصاصة واحدة، مع أن تلك الفصائل الموالية للتحالف مرت من مناطق سيطرة القاعدة دون أن تتعرض لطلقة واحدة،

 

وذلك بالتأكيد انعكاس لاتفاقيات سابقة بين الإمارات والجماعات الإرهابية بوساطة قيادات سلفية موالية لأبوظبي، تحدثت صحف أجنبية أبرزها الاندبندنت عنها وتضمنت عدم التوغل في معاقل التنظيم أو اعتراض تحركاته، إضافة إلى دفع مبالغ مالية كبيرة وتجنيد المئات من عناصره في صفوف القوات الجديدة مقابل السماح للإمارات بالسيطرة على حقول النفط والغاز في شبوة وللسعودية بفرض واقع مغاير في حضرموت، والآن تنقل تلك العناصر إلى مركز ديني تكفلت الرياض ببنائه عند حدود عمان والهدف تمكينها من مد أنبوب للنفط وتشييد ميناء في المهرة على بحر العرب.

 

كانت القاعدة حتى قبل دخول التحالف جنوب اليمن بالكاد يحضر اسمها عند الحديث عن عملية انتحارية أو عبوة ناسفة، لكن اليوم لا أحد يستطيع ذكر القاعدة أو المساس بأهداف “الإمارة الإسلامية في الجنوب”، وقد مكنها التحالف حتى أصبحت سلطة تقتل وتنكل وتذبح وتعذب باسم القانون مقابل تنفيذ أجندتها تحت غطائه، هذه السلطة في حال انسحاب التحالف واتفاق اليمنيين على مرحلة انتقالية قد تعود من جديد للبس عباءة الإرهاب، وقد أعذر من أنذر.

 

(تقرير – ناصر سيف)