مع حلول فجر 22 يونيو، أطلقت الولايات المتحدة واحدة من أخطر عملياتها الجوية في الشرق الأوسط منذ سنوات، مستخدمة قاذفاتها الشبحية الاستراتيجية B-2 Spirit لتوجيه ضربات دقيقة ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية شديدة التحصين في كل من فوردو، نطنز، وأصفهان.
ورغم الضجة الإعلامية الواسعة التي رافقت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن “تدمير البرنامج النووي الإيراني”، فإن معطيات ميدانية وتقنية تُظهر أن الأهداف المعلنة قد تكون بعيدة عن الواقع.
قنابل خارقة للتحصينات.. ولكن هل تكفي؟
الضربات شملت استخدام القنبلة الأمريكية الخارقة للتحصينات GBU-57A/B MOP، وهي أثقل قنبلة تقليدية في ترسانة البنتاغون، بوزن يصل إلى 14 طناً، وصُممت لاختراق أكثر من 60 متراً من الخرسانة المسلحة. وقد أُسقطت هذه القنابل فوق منشأة “فوردو”، أكثر المواقع الإيرانية تحصيناً، والمحفورة داخل جبل من الصخور البازلتية بسماكة تقارب 90 متراً.
ورغم هذه القدرات، تؤكد المصادر الإيرانية أن “جميع المواد الحساسة تم إخلاؤها من المنشآت المستهدفة قبل الضربة”، فيما اكتفت التقارير الأمريكية بوصف العملية بأنها “ناجحة للغاية” دون تقديم أدلة ملموسة على تدمير فعلي للبنية التحتية النووية.
وفق تقارير نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن العملية تم الإعداد لها بدقة، حيث غادرت القاذفات الأميركية من قواعد في المحيط الهادئ، وحلقت لأكثر من 37 ساعة بهدف التمويه، وشاركت في الهجوم بوارج حربية أطلقت نحو 20 صاروخ “توماهوك” على منشآت نطنز وأصفهان.
لكن خبراء عسكريين يشككون في قدرة هذه الصواريخ على اختراق منشآت نووية مدفونة على عمق كبير، ومحمية بطبقات إسمنتية ومعدنية متعددة.
دروس من الماضي: اليمن نموذجاً
الولايات المتحدة سبق أن استخدمت هذه القنابل خلال المواجهات مع القوات اليمنية، دون أن تنجح في تدمير مخازن سطحية للطائرات المسيّرة أو الصواريخ البالستية، وهو ما يعزز الشكوك بشأن قدرتها على اختراق تحصينات منشآت مثل فوردو ونطنز.
تشير صور أقمار صناعية من وكالة “ناسا” الأمريكية إلى حركة شحن ونقل كثيفة في محيط منشأة فوردو قبل الضربة، مما يعزز رواية طهران حول إخلاء أجهزة الطرد المركزي والمواد النووية الحساسة إلى مواقع سرية لم تُكتشف حتى الآن.
وتتحدث تقارير دولية عن أكثر من 12 منشأة نووية موزعة في عموم إيران، من بينها مفاعل بوشهر الذي تشرف عليه روسيا، ومواقع في قم وأراك وخوزستان وأماكن أخرى، ما يعني أن استهداف منشآت ثلاث فقط لا يشكل تهديداً حقيقياً للبرنامج ككل.
يقول وزير الخارجية الإيراني إن البرنامج النووي “ليس آلات ومعدات فقط، بل علم وثروة قومية يمكن استعادتها”، وهو ما يعكس إصرار طهران على مواصلة تطوير قدراتها رغم الاستهداف. وتُؤكد تصريحات الحرس الثوري أن الرد سيكون على مستوى العدوان، وهو ما ظهر في موجات الصواريخ الإيرانية اللاحقة التي طالت مواقع استراتيجية داخل إسرائيل.
رغم ضخامة العملية الأميركية من حيث العتاد والتكتيك، فإن نتائجها الواقعية تبدو رمزية أكثر منها استراتيجية. فالمنشآت المستهدفة لم تُدمَّر بالكامل، والبرنامج النووي الإيراني ما زال قائماً، بل وقد يعود بوتيرة أسرع وفق مراقبين.
في النهاية، يبدو أن واشنطن أرادت توجيه رسالة قوة أكثر من تحقيق تغيير ميداني فعلي. أما طهران، فرأت في الضربة مبرراً لمزيد من التصعيد، في مشهد يُنذر بأن المنطقة لم تخرج بعد من دائرة الخطر، بل دخلت مرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة.