المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الإعلام العربي.. واجهة ناعمة لجرائم صهيونية ومواقف رسمية مُخزية

    في معركة غزة، لم يكن الصمت العربي وحده مشكلة، بل كان الإعلام العربي نفسه جزءًا من الجريمة، حين اختار أن يتحول من منبر للحق إلى واجهة ناعمة تبرر القتل وتُجمّل الخذلان. فالأنظمة التي تعجز عن اتخاذ مواقف مشرفة، لا تكتفي بالسكوت، بل تُسخّر وسائلها الإعلامية لإعادة صياغة الواقع بلغات مراوغة ومصطلحات مغشوشة، حتى يبدو القاتل “طرفًا” والمجني عليه “حالة إنسانية”، والمقاومة “مغامرة عبثية”.

    الإعلام العربي الرسمي – من المحيط إلى الخليج – بات يستخدم قاموسًا خاصًا في تغطية المجازر في غزة، لا يختلف كثيرًا عن الرواية الصهيونية، ولكنه مغلف بعبارات “مهنية” توهم القارئ بالحياد، بينما هي في حقيقتها نوعٌ من التواطؤ اللغوي. فمثلاً:
    • لا يُقال: الاحتلال قصف منزلًا مدنيًا فقتل أطفاله، بل تُقال: سقوط ضحايا في غارة جوية على قطاع غزة.
    • لا يُقال: مجزرة في خان يونس، بل يُقال: تصعيد في العمليات العسكرية.
    • لا يُقال: العدو الصهيوني، بل يُقال: الجيش الإسرائيلي شنَّ عملية أمنية.
    • لا تُعرض مشاهد الشهداء، بل يُركّز على تهجير المدنيين كأنهم مجرد “أرقام إغاثية”، لا ضحايا لعدوان متعمد.

    هذا الأسلوب ليس بريئًا، بل هو اختيار سياسي مقصود، هدفه تبريد الشارع، وإفراغ الجريمة من مضمونها الأخلاقي، وتقديم صورة “متوازنة” تخدم سياسة الحياد المُخزي التي تنتهجها غالبية الأنظمة. وتُصبح “الموضوعية الإعلامية” ستارًا لحجب الحق، والتغطية على تقاعس حكومات لا تريد أن تُحرَج أمام شعوبها.

    بل إن بعض القنوات العربية تذهب أبعد من ذلك، فتعمد إلى خلط الأوراق، ومساواة القاتل بالضحية، وتسأل أسئلة من نوع: “هل كان على المقاومة أن تتجنب المواجهة؟” أو “هل تدفع غزة ثمن خيارات حماس؟” وهي تساؤلات تبدو تحليلية، لكنها في جوهرها تُدين الضحية وتُبرّئ المحتل، وتُروّج لرؤية مفادها أن من يقاوم هو من يستجلب العقاب، لا من يعتدي هو من يستحق اللوم.

    هذا التوظيف الإعلامي الممنهج ليس عفويًا، بل يُدار عبر غرف تحرير مرتبطة مباشرة بالمخابرات والأنظمة، هدفها الواضح: تشويه صورة المقاومة، وتفريغ الصراع من أبعاده الأخلاقية والدينية وتحويله إلى “أزمة إنسانية” يمكن علاجها بالإغاثة والمفاوضات فقط.

    وما لا يُقال على الشاشات أبلغ مما يُقال: فكم من قناة عربية كبرى تجاهلت كلمة من قائد مقاوم لأنها لا تُناسب الرؤية الرسمية؟ وكم من مشهد لطفل تحت الأنقاض مُنع من البث لأنه قد “يُشحن الشارع”؟ وكم من محلل عسكري أُتي به خصيصًا ليبرر “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” بلغة عربية ناعمة، في الوقت الذي تُستباح فيه غزة بكل وقاحة؟

    لقد أصبحت لغة الإعلام العربي الرسمي شريكًا في طمس الحقيقة، لا خادمًا لها. وأصبح كل خبر يُعرض دون تسمية الجاني، وكل تقرير لا ينطق بكلمة “احتلال”، وكل تحليل يُدين المقاومة ويُساويها بالعدوان، هو سهمٌ يُطلق من خلف الميكروفون، لا من فوهة البندقية، لكنه يصيب في مقتل.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img