في تحول غير مسبوق في المزاج العام الأمريكي، كشف استطلاع للرأي أجرته جامعة هارفارد بالتعاون مع مؤسسة هاريس، أن نحو 60% من الشباب الأمريكي (18-24 عامًا) يفضلون حركة حماس على الكيان الإسرائيلي في العدوان المستمر على غزة، فيما اعتبر 70% منهم أن “إسرائيل” ترتكب جرائم حرب، و65% يرون أن الإدارة الأمريكية متواطئة في تلك الجرائم بسبب دعمها العسكري والسياسي للاحتلال.
فجوة أيديولوجية داخل المجتمع الأمريكي
الاستطلاع أظهر وجود فجوة عميقة بين الأجيال داخل الولايات المتحدة؛ ففي حين أن الشباب أبدوا تعاطفًا واسعًا مع المقاومة الفلسطينية واعتبروا ما يجري في غزة إبادة جماعية منظمة، فإن الفئة الأكبر سنًا (45 عامًا فما فوق) ما تزال تميل إلى دعم “إسرائيل” بنسبة تتجاوز 55%.
هذه الفجوة تعكس انقلابًا جذريًا في الرؤية الأمريكية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وتحديًا للمسلمات التي سادت لعقود في السياسة الخارجية الأمريكية.
أسباب التحول
يرى خبراء أن عوامل عدة تقف وراء هذا التحول اللافت، أبرزها:
-
ثورة وسائل التواصل الاجتماعي: التي نقلت صور القصف والتجويع في غزة بشكل مباشر إلى الرأي العام العالمي، ما عزز التعاطف مع الضحايا.
-
انهيار الثقة بالإعلام التقليدي: الذي كان لعقود يروّج للرواية الإسرائيلية بشكل أحادي.
-
وعي جيل العدالة الاجتماعية: حيث يرى الشباب الأمريكي الاحتلال نموذجًا للفصل العنصري والاستعمار.
-
الإرهاق من السياسات الخارجية الأمريكية: خاصة بعد تجارب العراق وأفغانستان، ما ولّد نزعة رافضة للتدخلات والدعم غير المشروط لحلفاء واشنطن.
انعكاسات سياسية خطيرة
المحللون يحذرون من أن هذه النتائج ستفرض ضغطًا غير مسبوق على الإدارة الأمريكية والحزب الديمقراطي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، إذ بات الشباب يشكلون وزنًا انتخابيًا حاسمًا.
وقال البروفيسور مارك جويس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد: “ما نراه اليوم ليس مجرد استطلاع عابر، بل بداية تحول استراتيجي في علاقة أمريكا بإسرائيل. الأجيال القادمة لن تقبل بسياسات الدعم غير المشروط لدولة متهمة بارتكاب إبادة جماعية.”
قلق إسرائيلي متصاعد
النتائج أثارت غضبًا واسعًا داخل الأوساط الإسرائيلية، التي رأت في التحول الشبابي الأمريكي تهديدًا لصورتها العالمية ولضمان استمرار الدعم السياسي والعسكري من واشنطن.
المخاوف الإسرائيلية تتركز في أن هذه المواقف الشعبية قد تتحول في المستقبل إلى سياسات عملية تؤثر على التحالف التقليدي بين الجانبين.
انتصار للرواية الفلسطينية
في المقابل، اعتبرت حركات التضامن مع فلسطين أن نتائج الاستطلاع تمثل انتصارًا أخلاقيًا للرواية الفلسطينية، ورسالة بأن الحرب على غزة لم تعد مجرد صراع عسكري، بل معركة وعي عالمي، يخسر الاحتلال فيها مواقعه يوماً بعد آخر.
خاتمة
يكشف استطلاع هارفارد ـ هاريس أن الصراع في غزة تجاوز جغرافيته، ليتحول إلى امتحان للضمير الإنساني والسياسي. ومع دخول الأجيال الأمريكية الجديدة على خط الوعي العالمي، تبدو العلاقة بين واشنطن وتل أبيب مهددة على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما يفتح الباب أمام مرحلة سياسية مختلفة قد تعيد رسم ملامح الدعم الأمريكي التقليدي للكيان الإسرائيلي.
