افتتحت إثيوبيا، اليوم الثلاثاء، سد النهضة الإثيوبي الكبير، أضخم مشروع مائي وكهرومائي في القارة الأفريقية، بعد أكثر من عقد من الأعمال والجدل الإقليمي والدولي. ويهدف المشروع الذي بلغت كلفته نحو 5 مليارات دولار إلى توليد ما يقارب 6 آلاف ميغاواط من الطاقة الكهربائية، ليغطي احتياجات عشرات الملايين من الإثيوبيين، مع خطط لتصدير الفائض إلى دول الجوار.
ورغم أجواء الاحتفال في أديس أبابا بما وصفه رئيس الوزراء آبي أحمد بـ “الإنجاز العظيم لكل الأفارقة”، فإن التدشين يفتح مجدداً ملفاً شائكاً ظل عالقاً بين إثيوبيا ودولتي المصب، مصر والسودان، في ظل فشل كل جولات الوساطة الدولية على مدى سنوات طويلة.
صراع على المياه وتهديد وجودي
وتعتبر القاهرة أن السد يمثل تهديداً وجودياً مباشراً لمصالحها المائية، حيث تعتمد بنسبة تفوق 90% على مياه نهر النيل لتغطية احتياجاتها السكانية والزراعية. وسبق أن لوّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن بلاده لن تغض الطرف عن أي خطر يهدد أمنها المائي، مؤكداً أن القاهرة ستتخذ كل التدابير المتاحة بموجب القانون الدولي.
أما السودان فقد أعرب عن مخاوفه بدوره، لكنه يرى أن المشروع قد يحمل في طياته بعض المنافع، مثل تحسين إدارة الفيضانات وتوفير طاقة رخيصة. ومع ذلك، شدد على رفض أي إجراءات أحادية من جانب إثيوبيا في ملء وتشغيل السد.
في الداخل الإثيوبي، يمثّل السد رمزاً للسيادة الوطنية ومصدراً للإجماع الشعبي النادر في بلد يشهد نزاعات مسلحة، خصوصاً في إقليم أوروميا وأمهرة، إضافة إلى حرب تيغراي التي توقفت عام 2022 بعد مقتل مئات الآلاف. ووفق تقارير، موّل البنك المركزي الإثيوبي 91% من المشروع، بينما ساهم المواطنون بـ9% عبر شراء السندات والتبرعات، ما عزز صورة السد كـ مشروع سيادي بامتياز.
لعبة جيوسياسية كبرى
ومنذ وضع حجر الأساس عام 2011، بات سد النهضة في قلب صراع جيوسياسي إقليمي يتجاوز حدود المياه والكهرباء، وصولاً إلى التنافس على النفوذ في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. ويرى محللون أن المشروع يعكس طموح أديس أبابا في لعب دور إقليمي أكبر، لكنه في المقابل أثار قلق القاهرة التي تسعى لتطويق إثيوبيا عبر تعزيز تحالفاتها مع إريتريا والصومال.
وخلال حفل الافتتاح، أكد آبي أحمد أن السد “لا يشكل تهديداً لمصر أو السودان”، بل يمثل “فرصة مشتركة للتنمية”. وقال إن الطاقة المتولدة ستُستخدم لتزويد الإثيوبيين بالكهرباء وتصدير الفائض، مضيفاً: “سد النهضة إنجاز لكل المجتمعات السوداء، ولن يكون سبباً لإثارة المخاوف”.
ورغم تطمينات إثيوبيا، فإن مصر والسودان ما زالا يطالبان بـ اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل، في وقت لم تُسجل فيه اضطرابات مائية كبيرة حتى الآن، بفضل وفرة الأمطار واتباع سياسة ملء تدريجية. لكن خبراء يحذرون من أن سنوات الجفاف قد تضع السد في قلب أزمة وجودية جديدة تهدد استقرار المنطقة بأسرها.