في تطور لافت يعكس التحولات المتسارعة في الموقف الأوروبي من حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة، أعلن عمال ميناء جنوا الإيطالي منع مرور السفن المتجهة إلى “إسرائيل”، مؤكدين أنهم لن يكونوا طرفاً في استمرار المجازر بحق الفلسطينيين.
ويأتي هذا الموقف بعد خطوات مماثلة في موانئ مرسيليا الفرنسية وبرشلونة الإسبانية، ما يشير إلى نشوء حركة تضامن أوروبية شعبية منظمة تتجاوز مواقف الحكومات أحياناً، وتضغط نحو مقاطعة الكيان المحتل اقتصادياً وعسكرياً.
ميناء جنوا يدخل خط المواجهة
خطوة عمال ميناء جنوا لم تأتِ من فراغ، إذ تعكس تراكم نضال نقابي وشعبي طويل ضد عسكرة الموانئ الأوروبية وتحويلها إلى منصات لنقل الموت.
ففي أغسطس الماضي، اعترض العمال سفينة سعودية محمّلة بالأسلحة لـ”إسرائيل”، حيث صعد نحو 40 عاملاً لتوثيق الشحنة رغم محاولات الطاقم منعهم.
كما سبق لهم أن أوقفوا شحنة مماثلة عام 2019 على السفينة نفسها، ما جعلهم في صدارة الحركات العمالية الأوروبية المناهضة للحرب.
اليوم، يعلن العمال بوضوح أنهم “لن يسمحوا بخروج ولو مسمار واحد” من الميناء إذا تمت مصادرة أسطول الصمود العالمي المتوجه إلى غزة.
إرهاصات موقف أوروبي متمايز
لم يكن التحرك الإيطالي معزولاً، إذ سبقته إسبانيا بموقف رسمي أعلن فيه وزير النقل أنّ بلاده لن تمنح تراخيص لأي سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل، فيما دعت النقابات العمالية الكبرى لتشريع حظر شامل على تجارة السلاح مع الكيان.
أما إيرلندا فقد جدّدت مطالبتها العلنية بوقف التعامل التجاري مع الاحتلال، مؤكدة انسجام موقفها مع تاريخها المعروف في مناصرة القضية الفلسطينية.
تضامن شعبي.. أسطول الصمود العالمي
انطلاق أسطول الصمود العالمي من برشلونة ثم جنوا، بمشاركة ناشطين من 44 دولة، يجسد تدويل معركة غزة. آلاف المتضامنين احتشدوا لتوديع السفن في مشاهد تعيد للأذهان أساطيل الحرية السابقة التي تعرضت لقرصنة إسرائيلية في عرض البحر.
الأسطول يضم منظمات دولية مثل التحالف من أجل الحرية، والحركة العالمية لغزة، وقافلة الصمود، إضافة إلى منظمات ماليزية وإسلامية. والرسالة واضحة: كسر الحصار وتجريم الإبادة الجماعية الإسرائيلية، رغم تهديدات الاحتلال بمصادرة السفن واعتقال المشاركين.
التطبيع العربي.. دعم معلن للاحتلال
في المقابل، يكشف المشهد العربي عن مفارقة مأساوية. فبينما الشارع الأوروبي يضغط لوقف الحرب على غزة، تواصل بعض الأنظمة العربية المطبّعة تقديم الدعم المالي والعسكري المباشر للكيان:
-
دولة خليجية أعادت تصدير شحنة ذخائر حيّة إلى إسرائيل بعد أن رفضت إسبانيا بيعها مباشرة، وحوّلت 40 مليار دولار للبنك المركزي الإسرائيلي، منها 10 مليارات كهبة لدعم المجهود الحربي.
-
دولة خليجية أخرى أرسلت شحنة كبيرة من الأسلحة مجاناً لإسرائيل، مبرّرة ذلك برغبتها في المساهمة بإعادة تشكيل “شرق أوسط جديد” يقوده نتنياهو.
ازدواجية المعايير
هذه التطورات تعكس صورة متناقضة: أوروبا الشعبية ترفع صوتها ضد الإبادة وتمنع تصدير السلاح، فيما بعض الأنظمة العربية تشرعن العدوان وتغذّيه بالمال والسلاح.
ويرى مراقبون أن هذه الازدواجية تضعف الموقف العربي الرسمي أمام شعوبه، وتعيد إلى الأذهان لحظات انهيار النظام الرسمي العربي في وجه موجات الغضب الشعبي خلال ثورات 2011.
ختام
إنّ قرار عمال ميناء جنوا منع مرور السفن الإسرائيلية يشكّل سابقة أوروبية مهمة في مسار مقاومة التطبيع والحرب على غزة. وبينما تتصدع المواقف الأوروبية الرسمية تحت ضغط الشارع، يواصل بعض الحكام العرب الاصطفاف خلف الاحتلال، في مشهدٍ يثير أسئلة جوهرية حول الشرعية السياسية والأخلاقية في العالم العربي.