شكّلت ثورة 21 سبتمبر نقطة تحوّل حقيقية في مسار التاريخ اليمني الحديث، ومثّلت لحظة فاصلة خرج فيها الشعب اليمني من دائرة الهيمنة الخارجية والتبعية للقرار الإقليمي والدولي.
جاءت هذه الثورة استجابة طبيعية لتراكمات من السياسات الفاشلة التي خضعت لإملاءات الخارج، والتي أدّت إلى تفشي الفساد، ونهب الثروات، وتهميش قطاعات واسعة من الشعب.
استطاعت الثورة أن تلامس وجدان شريحة واسعة من اليمنيين الذين رأوا فيها بارقة أمل نحو استعادة القرار الوطني وبناء دولة ذات سيادة فعلية.
من منظور عربي، رأى كثير من الناشطين والمراقبين العرب أن ثورة 21 سبتمبر إحدى أبرز محاولات كسر التبعية التي فُرضت على عدد من الدول العربية بعد ما عُرف بالربيع العربي.
فبينما انزلقت دول كثيرة نحو الفوضى أو ارتهنت للقوى الخارجية، اتخذت الثورة في اليمن منحى مختلفاً، سعت من خلاله قوى وطنية إلى استعادة زمام الأمور ورفض التدخلات الأجنبية، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.
لم تكن ثورة 21 سبتمبر مجرد تحرّك سياسي محدود الأهداف، بل كانت تعبيراً عن وعي شعبي جديد بدأ يتشكل في اليمن، ويعيد قراءة المشهد العربي من زاوية الكرامة والاستقلال، إذ لم تعد المطالب محصورة في تحسين الخدمات أو إسقاط رموز بعينها، بل ارتفعت لتطال المنظومة ككل، وتطالب بتحرير القرار الوطني من أدوات النفوذ الأجنبي، خاصة في ظل التدخلات المتكررة التي أثبتت تجارب المنطقة أنها لا تحمل الخير لشعوبها، بل تعمّق الأزمات وتُبقي الأوطان رهينة للمصالح الخارجية.
ورغم التحديات التي واجهتها الثورة – من حرب وحصار وحملات إعلامية مضادة، فإنّها رسّخت في الوعي العربي مثالًا يُحتذى به في الصمود والثبات كما أظهرت أن مقاومة الهيمنة ليست فقط ممكنة، بل قد تؤتي ثمارها إذا ما توفّرت الإرادة الشعبية والقيادة الواعية، ودفعت هذه الثورة الشعوب العربية لإعادة التفكير في نماذج الحكم والولاء والشرعية، متسائلة عن الثمن الباهظ الذي تدفعه الشعوب مقابل أنظمة تابعة لا تعبّر عن إرادتها.
يقول الناشط السعودي علي الأشتر :”عندما تابعت ثورة 21 سبتمبر 2014 في اليمن، لم أتعامل معها كحدث سياسي عابر، بل كتحول مهم سيؤثر على مستقبل المنطقة وما لفت انتباهي هو أنها لم تكن مجرد حركة احتجاج، بل ثورة ذات جذور عميقة، خرجت من بين الناس ومن معاناتهم اليومية ومن عمق إيماني وأخلاقي”.
وأضاف “أكثر ما أعجبني في الثورة أنها كسرت حاجز الخوف، وأكدت أن اليمن لا يقبل أن يكون تابعًا، وكان لافتًا بالنسبة لي أن القرار باليمن أصبح يمنيًا خالصًا، لا يُملى عليه من الخارج، وهذا منح اليمن مكانته الطبيعية، وأعاد الاعتبار لتاريخه ودوره في شبه الجزيرة العربية”.
وذكر أن من ثمار الثورة، أنها أعادت لليمن حضوره كقوة إقليمية مؤثرة، رغم قلة الإمكانات المادية مقارنة بمن يواجهونه، كما أنها أوجدت توازنًا جديدًا ومهماً في المنطقة، وأثبتت أن الإرادة الشعبية والقاعدة المؤمنة قادرة على فرض نفسها بالتوكل على الله والأخذ بالأسباب.
وتابع الناشط الأشتر “بصفتي مواطن من شبه الجزيرة العربية، فقد ألهمتني التجربة بأن التحرر من الوصاية ليس مجرد حلم، بل واقع يفرضه الرجال ويمكن تحقيقه إذا توفرت العزيمة والإيمان، وثورة 21 سبتمبر ثورة صادقة في مبادئها، ورغم التحديات التي واجهتها، مازلت أراها حدثًا مفصليًا أعاد تعريف العلاقة بين الشعوب والسلطة في منطقتنا”.
ولفت إلى أن ما قبل تاريخ “٢١ سبتمبر”، ليس كما بعده الذي شهد سقوط الهيمنة والتبعية التي تجثم على صدور أغلب الأنظمة، وسقوط الأيادي الخارجية التي كانت تعبث في اليمن وتعيث فيه فساداً.
الأديب والناشط الاجتماعي والسياسي المصري ممدوح عطية، خاطب المواطن اليمني قائلاً “أخي اليمني لك ثورتان لكن الأولى ولدت كجنين مشوه بغير رأس والثانية ولدت برأس من نور”.
وأضاف “في الثورة الأولى كانت الدولة تحمي الجيش والشعب ملك للحاكم وحام له ولدولته الخاصة، وأصبحت الدولة لعبة في يد النظام السعودي يحركها كيف يشاء ويفقرها متى يشاء، أما ثورة الـ 21 من سبتمبر جاءت متنبهة وواعية وتلافت كل الأخطاء التي وقعت فيها ثورة الـ 26 من سبتمبر”.
وأشار عطية إلى أن ثورة 21 سبتمبر كانت لها قيادة شابة مؤمنة وحكيمة متمثلة في السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وهذا هو الشرط الأول والأهم لنجاح أي ثورة والذى من دون توفره ما تلبث الثورة أن تبدأ حتى ينفرط عقدها، ولها أيضًا حراس أوفياء أسمهم أنصار الله وهو الشرط الثاني لنجاحها.
ولفت إلى أن الشعب اليمني آمن بمبادئ ثورة 21 سبتمبر وأهدافها، فكان التلاحم بين القبائل واضحًا حتى أضحت قبائل مجاهدة ألفّ الله قلوبها لنصرة الدين ووحدة الأرض والحفاظ على حقوق المواطنين.
وأوضح الناشط المصري، أن أبرز ما حققته هذه الثورة الفتية أن أصبح لها جيش وطني شريف يُحمي الأرض والعرض والدين بكل تضحية وإخلاص، كما أصبح لها قوى أمن داخلي يحفظ الأمن ويعزز الأمان ويسهر لحراسة المواطن وخدمته وليس العكس.
وأكد أن أولى الخطوات المباركة لثورة 21 سبتمبر تمثل في قطع رأس الحية والفتنة في اليمن حيث ذهب السفير السعودي إلى غير رجعة وطرد السفير الأمريكي شر طردة، لتبدأ عملية البناء والتنمية.
وأضاف :”وكان من ثمرات هذا البناء مسيرات حربية شبحية متطورة تصل إلى تل أبيب دون أن تكشفها الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي وصواريخ فرط صوتية متشظية تضرب الكيان الغاصب وقتما تشاء، ويكفي كل يمني فخراً وعظمة وفضل من الله أن أصبح اليمن دولة تناطح أمريكا الشيطان الأكبر وربيبتها إسرائيل”.
أستاذ الفيزياء النووية والقانون الدولي ـ الإيراني الدكتور هادي عيسى قال :”أريد أن أركز على ثورة 21 سبتمبر 2014م، وما أثمرته من أمور كثيرة، أهمها انكسار العدو الأمريكي والإسرائيلي وعجز محو الشر مجتمعًا عن كسر الشعب اليمني ووأد ثورته العظيمة”.
وأضاف :”في ثورة 21 سبتمبر، لم يكن هناك مجال للخروقات وللتراجع والتمسك بالدنيا مهما كانت التضحيات ومهما حدث من جوع واستشهاد للأطفال والنساء والرجال بل كان هناك صمود واستبسال والثبات على قلب رجل واحد”.
ولفت الدكتور عيسى، إلى أهمية الانضباط الذي رافق الثورة العظيمة وساعد على أن تكون التجربة الثورية اليمنية هي التجربة الرائدة التي يسعى الجميع إلى الاقتداء بها وتكرارها في كل دول محور المقاومة، مؤكدًا أنه وبفضل ثورة 21 سبتمبر أصبحت أمريكا مكسورة كما أصبحت إسرائيل أيضا مكسورة.
وأفاد بأن هذا الإنجاز هو ما يجب أن يُضاء عليه عند الحديث عن هذه الثورة الوطنية، معتبرًا الإنجازات التي حققتها ثورة 21 سبتمبر مصدر فخر واعتزاز ليس للشعب اليمني وحسب بل لكل شعوب المنطقة والدول الإسلامية والعربية.
مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية اللبناني رضوان قاسم، اعتبر ثورة 21 سبتمبر تاريخاً مفصلياً ليس في تاريخ اليمن وحسب بل في تاريخ المنطقة بأكملها.
وقال :”ثورة 21 سبتمبر هي ثورة وطنية وإسلامية جعلت من اليمن رقماً صعباً في منطقة الشرق الأوسط وعلّمت العالم كيف لأي بلد أن ينهض من القاع ويصل إلى القمة ويكون رقماً صعباً وأنه من المستحيل الاستحواذ عليه حتى وإن كان من أمريكا”.
وأضاف :”21 سبتمبر يوم الثورة التي انطلقت الشرارة والشعلة للذين يستطيعون أن يتخذوا القرار الحر وتكون لهم السيادة المطلقة، وعلى الصعيد العربي والإسلامي أصبح 21 سبتمبر رمزاً للعروبة وكرامة العرب والمسلمين لأنه يوم تميز بأن يكون هناك دولة بكل ما تعنيه الكلمة، دولة تستحق أن تكون رائدة لقيادة الأمة”.
وأشار قاسم إلى أن ثورة 21 سبتمبر، ثورة الكرماء والشرفاء والمناضلين الذين قدموا أنفسهم فدءًا من أجل الحرية والكرامة للأمة العربية والإسلامية جمعاء لتكون الثورة قدوة بعد أن أصبح اليمن حراً مستقلاً قوياً”.
واستطرد قائلاً: “عندما نتحدث عن ثورة 21 سبتمبر واستلام أنصار الله للسلطة، نعلم أننا أمام مفترق طرق وأمام تاريخ مفصلي في تاريخ اليمن أولًا والمنطقة ثانيًا والعالم ثالثاً، لأنه من هنا بدأت المعركة بين الدول التي تخضع بكل ما فيها للسياسات الدولية وخاصة السياسات الأمريكية والإسرائيلية خضوعاً يندى له الجبين حتى أعلنت الحرب على هذه الثورة والكرامة الوطنية وعملت على محاصرتها والقضاء عليها قبل أن تكون شعلة لحرية وكرامة شعوب العالم التي تريد أن تصل إلى حريتها وسيادتها “.
ولفت إلى أن حرب العشر سنوات التي تعرض لها اليمن من قبل دول الغطرسة الخاضعة للإدارة الأمريكية، الإسرائيلية، حاولت القضاء على ثورة 21 سبتمبر وصوت الحرية والكرامة والإسلام والعدالة، إلا أن الله أراد أن يكون للثورة سلطة وقوة وقدرة، وأن تتغلب وتنتصر على كل الدول التي حاولت أن تقمع الصوت الثوري اليمني”.
وعدّ قاسم، ثورة 21 سبتمبر، صوتًا للحق والعدالة والإنسانية والإسلام والعروبة، بفضلها وقف اليمن وحيدًا وما يزال في مواجهة الكيان الإسرائيلي، واستطاعت أن تخرج الأمريكي من اللعبة ذليلًا مهزومًا وأيضًا أن يقف بجانب مظلومية الشعب الفلسطيني الذي تُرتكب في حقه جرائم وحشية من قبل العدو الإسرائيلي.
وبين أن انتصار الثورة اليمنية في 21 سبتمبر ليس انتصارًا محلياً أو إقليمياً فحسب بل هو انتصار دولي استطاعت أن تفشل التحالف الأمريكي، الغربي والعربي لحصار غزة وأهلها من خلال ما تقوم به وما تقدمه للانتصار للقضية الفلسطينية.
عبدالودود الغيلي