أعلنت السعودية، الايوم الأحد، انتهاء حقبة “المجلس الانتقالي الجنوبي” رسميًا، في خطوة رأت فيها الأوساط السياسية “توديعًا صريحًا” لأحد أبرز أذرع الإمارات في اليمن. جاء ذلك بالتزامن مع نجاح الرياض في سحب الموارد المالية التي كانت تحت سيطرة الانتقالي، بعد سلسلة من التحركات المنظمة لإعادة هيكلة مراكز النفوذ داخل المجلس الرئاسي.
ونشر الصحفي السعودي المقرب من الاستخبارات، علي العريشي، صورة لرئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي خلال لقائه برئيس الوزراء الروسي في موسكو، معلقًا عليها بعبارة مختصرة لكنها ذات دلالات عميقة: “انتهى المشوار”. وتزامنت هذه الإشارة مع إعادة الزبيدي إلى اجتماعات المجلس الرئاسي بعد فشل محاولته كسب دعم روسي، في ظل الترتيبات السعودية الجديدة لإضعاف نفوذ أبوظبي في الجنوب.
وخلال الاجتماع الذي استضافته السعودية بمشاركة رئيس حكومة المرتزقة، سالم بن بريك، أُعلن رسميًا نقل الإيرادات من لجنة الزبيدي إلى حكومة عدن، ووجّه الاجتماع جميع المؤسسات في مناطق التحالف بتوريد عائداتها إلى حساب الحكومة في البنك المركزي بعدن.
وتُعد هذه المرة الأولى التي يُقدم فيها المجلس الرئاسي على خطوة كهذه، بعد أن كان الأعضاء الثمانية يتقاسمون الموارد فيما بينهم. ويرى مراقبون أن انتزاع الموارد من الزبيدي وتسليمها لبن بريك يمثل ضربة سعودية مزدوجة للإمارات والمجلس الانتقالي، خاصة مع خضوع بن بريك لإشراف مباشر من السفير السعودي محمد آل جابر.
في الوقت ذاته، بدأت لجنة أمريكية–إماراتية عملية إعادة هيكلة فصائل الانتقالي، تمهيدًا لإحلال قيادة جديدة أكثر توافقًا مع التوجهات الحالية للتحالف، في إشارة إلى بداية تفكيك تدريجي للمجلس الذي ظل لسنوات يدير الجنوب بعقلية انفصالية.
بالتوازي، عادت حكومة المرتزقة إلى الواجهة مجددًا من بوابة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. فقد لجأ رئيس الحكومة سالم بن بريك إلى الاقتراض من البنوك والتجار لتغطية نفقات عاجلة، بينها شراء وقود لمحطات الكهرباء في مدينة عدن التي تعاني انقطاعات متواصلة وصلت لأيام. ونقلت مصادر حكومية أن بن بريك اقترض مليون دولار لتغطية احتياجات عاجلة، في حين اعتبر اقتصاديون ذلك مؤشرًا على انهيار السيولة واستنزاف الاحتياطات المالية. ويُعد هذا الاقتراض الثاني من نوعه خلال فترة وجيزة، إذ سبق لبن بريك أن اقترض مرتبات الموظفين بعد انقطاعها لأشهر طويلة.
ويواجه بن بريك ضغوطًا متزايدة لإظهار فاعلية حكومته في ظل غضب شعبي متصاعد وانهيار متسارع للعملة المحلية. وقد عبّرت بريطانيا عن مخاوف جدية من عودة الانهيار الاقتصادي في مناطق التحالف، حيث أكدت السفيرة البريطانية خلال لقائها بمحافظ البنك المركزي ضرورة تنفيذ إصلاحات عاجلة، محذرة من أن أي تأخير قد يؤدي إلى “انهيار كارثي” جديد في سعر الصرف، في ظل عجز الحكومة عن السيطرة على الموارد ووقف الفساد المالي والإداري.
وفي سياق متصل، برزت تحركات ميدانية مثيرة للقلق في شمال اليمن، بعد أن كشفت مصادر أمنية عن بدء تنظيم القاعدة تنفيذ عمليات جديدة في محافظة البيضاء، بزعم استهداف من يصفهم بـ“الحوثيين”. وأعلن التنظيم مسؤوليته عن عملية غامضة استهدفت عناصر أمنية يمنية، بالتزامن مع نشره صورًا لقائد إماراتي سابق يُدعى عبد الكريم الإماراتي، قُتل قبل سنوات، في ما وُصف بأنه إشارة رمزية لتجديد الولاء للإمارات.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات تأتي ضمن ترتيبات ميدانية جديدة تشرف عليها الإمارات بالتنسيق مع لجان أمريكية، تشمل إعادة تموضع فصائل سلفية مقربة من القاعدة مثل “العمالقة الجنوبية”، إضافة إلى إنشاء مراكز تدريب بغطاء ديني في مناطق مثل يافع على حدود البيضاء، رغم اعتراض السكان المحليين. وتشير هذه التطورات إلى أن التحالف الأمريكي–الإماراتي يعمل على إعادة تنشيط الجماعات المسلحة لاستخدامها كورقة ضغط في المرحلة المقبلة.
وتؤكد الأجهزة الأمنية في صنعاء أن التحركات الأخيرة للتنظيمات الإرهابية مرصودة بالكامل، وأن محاولات “الموساد” الإسرائيلي لاختراق بعض المناطق الشمالية “لن تنجح”، في ظل جاهزية استخباراتية كاملة لإفشال المخططات الخارجية التي تُدار من الجنوب باتجاه الشمال.
تُظهر هذه الأحداث المتزامنة ملامح مرحلة جديدة في المشهد اليمني، تتجه فيها السعودية نحو طي صفحة الانتقالي وتقليم أظافر الإمارات، فيما تحاول أبوظبي تعويض خسارتها بإحياء أدواتها المسلحة والإرهابية. وبين انهيار اقتصادي يهدد الجنوب وتحركات مشبوهة على الحدود الشمالية، يبدو أن اليمن يدخل مرحلة إعادة تموضع سياسي وعسكري، سيكون عنوانها الأبرز: صراع النفوذ بين الرياض وأبوظبي على حساب أمن واستقرار اليمنيين.
