في تطور خطير يعكس احتدام التوتر بين صنعاء والرياض، أطلقت صنعاء تحذيراً شديد اللهجة للسعودية، مؤكدة أنها حددت “ساعة الصفر” في حال استمرار ما وصفته بـ سياسات التضييق الاقتصادي وعرقلة مسار التهدئة. وجاء التحذير بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات المسيّرة والاستطلاعية فوق الحدود، في حين أفادت مصادر سعودية بأن المملكة ركّبت صافرات إنذار للمرة الأولى في تاريخها على طول الشريط الحدودي، في مؤشر على استشعار خطر مواجهة وشيكة. وأكدت صنعاء أن معادلة “الرد بالمثل” لا تزال قائمة وأن الهدنة لم تُسقط خيار الرد العسكري إذا ما تمادت الرياض في تجاوز “الخطوط الحمراء” التي رسمتها.
وأكدت صنعاء على لسان محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس الحكومة في صنعاء، في خطاب حازم، اليوم الاثنين، أن القيادة اليمنية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي إجراءات عدائية تمسّ حياة المواطنين أو سيادة البلاد. وقال مفتاح: “نقول لمن يتخذ الإجراءات للتضييق على شعبنا في معيشته، معادلة البنك بالبنك، والمطار بالمطار، والميناء بالميناء لم تسقط، وهذه اللعبة لن تستمر، وشعبنا لن يخنع وسيواجهكم ويسقط مؤامراتكم”.
هذا التصريح أعاد التذكير بـ معادلة الردع الاستراتيجي التي فرضتها صنعاء خلال السنوات الماضية، والتي نجحت من خلالها في تغيير موازين القوة على مستوى الإقليم، عبر ربط أي استهداف اقتصادي أو إنساني بموقف عسكري مكافئ.
في المقابل، تسعى الرياض لاحتواء التصعيد عبر مساعٍ دبلوماسية جديدة تقودها سلطنة عمان، حيث كشفت مصادر سياسية عن اتصالات إقليمية ودولية لإعادة إحياء مسار الوساطة بين صنعاء والتحالف. وأشار الخبير العُماني علي المعشني إلى أن ملف اليمن سيتصدر المشهد خلال الأيام القادمة، مؤكداً أن الجهود العمانية تهدف لتفادي انزلاق المنطقة نحو مواجهة جديدة.
لكن في صنعاء، تبدو المعادلة مختلفة؛ إذ رفعت القيادة اليمنية سقف شروطها السياسية بشكل واضح، مُعلنة أن أي مفاوضات قادمة لن تشمل ما يسمى بـ”المجلس الرئاسي” الموالي للتحالف، باعتباره “كياناً فقد شرعيته وغارقاً في الفساد والارتهان للأجنبي”.
هذا الموقف – بحسب مراقبين – يعكس ثقة سياسية وعسكرية متنامية لدى صنعاء، بعد سلسلة من الإنجازات الميدانية والانتصارات الاستراتيجية التي فرضت حضورها على طاولة الإقليم، وأعادت ترتيب موازين القوى في البحر الأحمر والحدود الشمالية.
في الميدان، تتزايد المؤشرات الأمنية على التوتر الحدودي، حيث أكدت تقارير إعلامية أمريكية أن اليمن كثّف من تحليق طائرات الاستطلاع قرب المواقع السعودية، في وقتٍ أقرت فيه الرياض بتركيب صافرات إنذار للمرة الأولى في تاريخها على امتداد حدودها الجنوبية، في خطوة وُصفت بأنها إجراء احترازي يعكس عمق القلق السعودي من احتمالات تصعيد قادم.
ويشير مراقبون إلى أن هذه التطورات تدل على ارتفاع منسوب التوتر الميداني، خاصة في ظل التهديدات اليمنية الأخيرة بتوجيه ضربات استراتيجية في حال استمرت المماطلة السعودية في تنفيذ التفاهمات المتعلقة بملف الحصار ورفع القيود عن المطارات والموانئ.
ويرى محللون سياسيون أن شرط صنعاء الجديد باستبعاد المجلس الرئاسي من مسار السلام يمثل تحولاً نوعياً في بنية المفاوضات القادمة، ويؤكد أن اليمن بات يتعامل من موقع الندية والسيادة لا التبعية، بعد أن فرض نفسه كقوة إقليمية قادرة على فرض التوازن وردع العدوان.
ويضيف هؤلاء أن التحالف السعودي يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما الالتزام الصادق بتعهدات الهدنة وتنفيذ استحقاقات ما بعد الحرب، أو مواجهة مرحلة جديدة من التصعيد العسكري والسياسي عنوانها “المطار بالمطار والميناء بالميناء”، وهي معادلة ردع لا تحتمل التجاهل.
