تشهد الأراضي الفلسطينية تصعيداً ميدانياً متواصلاً رغم اتفاق وقف إطلاق النار الهش، إذ أعلنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، اليوم الخميس، عزمهما تسليم جثمان أحد الأسرى الصهاينة عند الساعة الثامنة مساء بتوقيت فلسطين، في إطار المرحلة الأولى من اتفاق التبادل مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضحت كتائب القسام وسرايا القدس، الجناحان العسكريان للحركتين، أن الجثمان عُثر عليه اليوم في منطقة موراغ جنوب مدينة خان يونس، مؤكدتين أن عملية التسليم ستتم بإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر والوساطة المصرية.
ومنذ بدء سريان وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، سلّمت المقاومة حتى الآن 24 جثماناً من أصل 28، فيما تتواصل عمليات البحث في مناطق مدمرة بالكامل بفعل القصف الإسرائيلي، وسط صعوبات لوجستية كبيرة تواجه فرق الإنقاذ.
وتؤكد مصادر في غزة أن الاحتلال يشترط تسلّم جميع الجثامين قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، بينما ترد حماس بأن “العملية تحتاج إلى وقت وجهد وتعاون فني مكثف”، في ظل حجم الدمار الهائل الذي خلّفته الغارات. وتشير التقديرات إلى أن نحو 9500 جثمان فلسطيني لا تزال تحت الأنقاض منذ بدء الحرب، في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال خروقاته اليومية بتنفيذ عمليات نسف وهدم واسعة شمال وجنوب القطاع، خصوصاً داخل ما يعرف بـ “مناطق الخط الأصفر”، حيث تُسمع تفجيرات متكررة تستهدف المنازل والبنى التحتية.
في المقابل، تعيش غزة مأساة إنسانية متفاقمة، إذ حذرت فرق الدفاع المدني من “كارثة وشيكة” تهدد مئات آلاف النازحين الذين يعيشون في خيام مهترئة ومناطق مدمرة بلا مقومات للحياة، مع اقتراب فصل الشتاء وانعدام الحماية من البرد والمطر. كما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن المساعدات الإنسانية لا تغطي سوى 10% من الاحتياجات الفعلية، فيما ما تزال المعابر خاضعة لقيود إسرائيلية خانقة، وهو ما وصفته منظمة الصحة العالمية بـ “الانهيار الكامل للنظام الصحي” في القطاع.
وبحسب تقرير وزارة الصحة في غزة، استقبلت المستشفيات خلال الساعات الـ24 الماضية شهيدين وخمسة جرحى، بينما تعجز فرق الإنقاذ عن الوصول إلى عشرات الضحايا تحت الأنقاض. وارتفعت حصيلة الشهداء منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 69,187 شهيداً و170,703 جرحى، فيما تم تسجيل 260 شهيداً جديداً منذ وقف إطلاق النار الأخير.
وامتد التصعيد إلى الضفة الغربية المحتلة، حيث أعلن جيش الاحتلال قتل شابين فلسطينيين قرب مستوطنة “كرمي تسور” شمال الخليل بزعم محاولتهما تنفيذ هجوم بزجاجات حارقة. كما زعم الاحتلال تفكيك خلية تابعة لحماس في بيت لحم واعتقال 50 ناشطاً بينهم أسرى محررون، في حملة وصفها مراقبون بأنها “تصعيد سياسي موجه لتشويه صورة المقاومة”.
وفي القدس وسلفيت ونابلس، تواصلت اقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال، حيث أُحرق مسجد الحاجة حميدة بالكامل وتمت إهانة المصاحف، في جريمة أدانتها حركة حماس ووصفتها بأنها “اعتداء نكراء على الأديان والمقدسات”. كما هدمت جرافات الاحتلال متنزه بلدية بدّو شمال غرب القدس، وهو المتنفس الوحيد لأهالي المنطقة منذ أكثر من عقدين، في حين اقتحم 267 مستوطناً المسجد الأقصى بحماية مشددة من شرطة الاحتلال وأدوا صلوات تلمودية استفزازية في باحاته.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، تؤكد الوقائع الميدانية أن الاحتلال لم يلتزم بأي من بنوده، إذ يواصل فرض حصار خانق، ويُمعن في تدمير ما تبقى من مقومات الحياة في غزة، وتوسيع اعتداءاته في الضفة والقدس، وسط صمت دولي مريب. وكما قال أحد قادة المقاومة في تصريح مقتضب، “لن يكون السلام ممكناً طالما استمر الاحتلال في قتل الأبرياء وتدنيس المقدسات، فالمعادلة واضحة: الدم لا يُطفأ إلا بالكرامة والسيادة.”
