تستطيع الصورة أن تنقُلَ تفاصيل الإجرام الصهيو-أمريكي، وعمليات الإبادة الشاملة بالقتل والتجويع، وتستطيع أن تلتقطَ قِطَعَ الأشلاء المتناثرة، ومشاهد أجساد الأطفال الممزقة، لكنها تعجزُ عن نقل حقيقة الإحساس بهول الفاجعة في قلوب الضحايا، وذكريات الحنان في الأطراف المبتورة، ودفء العواطف في الدماء المراقة على الأرض، وعمق الأسى في قلب الأم الثكلى، وشعور الأب المفجوع، الذي يجمع ما تبقى من أولاده السبعة في كيس واحد، يحملُه على ظهره، ويفرُّ بهم؛ كي لا يُقصفوا مرة أخرى، والشعور بمرارة الخِذلان العربي والإسلامي في عيني الشهيدين السنوار وهنية، وذبول الحياة في أجساد المفجوعين المتهالكة.
كل تلك المشاعر والأحاسيس لن تحملها الصورة، وإنما ستوحي بها لتترجمها القلوب السليمة، وأصحاب الفطرة السوية، في سياق الإدانة والاستنكار، وشرف فعل الانتصار، لأعظم وأكبر مظلومية في تاريخ البشرية، وهو ما تجلى في الموقف المشرف لمحور الجهاد والإسناد، مشفوغاً بالعمليات العسكرية، ومواجهة العدو الإسرائيلي الأمريكي وحلفائه، وتقديم جليل التضحيات وقوافل الشهداء على طريق القدس.
رغم الإعلان عن الهُدنة في غزة بتاريخ 9 أكتوبر 2025م، إلا أن آلة القتل الصهيونية ما زالت تعربد وتقتل وتدمر، وترتكب المجازر الجماعية بحق المدنيين الأبرياء الجياع في غزة والضفة الغربية، على مرأى ومسمع من الوسطاء خاصة، والعالم أجمع عامة، وما يزال الجوع وبرد الشتاء القارس يفتك بأهالي قطاع غزة أطفالاً ونساءً وشيوخاً، في أبشع عملية إبادة جماعية في التاريخ، وبدلاً من أن يقوم الوسطاء بالضغط على العدو الصهيوني، وضامنه وشريكه الأمريكي، للالتزام بالهُدنة وإيقاف العمليات العسكرية، والمضي في تنفيذ بنود الهدنة، انصرفوا إلى مطالبة حماس بتسليم سلاحها، وتنفيذ بقية المطالب الإسرائيلية الأمريكية، وكأنهم وكلاؤهم في المنطقة، أو أفراد شرطة يعملون لديهم.
لا يملكون الجرأة ليطلبوا من الإسرائيلي فتح المعابر وإدخال المساعدات الغذائية الإغاثية العاجلة المتفق عليها، ورغم ما توافر لهم من حُجَّة، من موقعهم القومي والإسلامي والوظيفي (الوساطة)، إلا أنهم تنكروا لكل ذلك، وانحازوا إلى صف الجلاد لإدانة الضحية، خاصة بعد سقوط حلمهم بالوصاية على غزة، الذي التقى مع الرغبة الإسرائيلية الأمريكية، لتنتقل شروط الوصاية على غزة إلى الإطار الدولي الإمبريالي، في صورة مشروع قرار أمريكي، وافق عليه مجلس الأمن الدولي في الثامن عشر من نوفمبر 2025م.
ليعيد بذلك إلى الأذهان الصورة الحقيقية لمجلس الأمن الدولي في طبيعته الاستعمارية الإجرامية، ودوره الوظيفي في تطبيق نظام الوصاية، بعد 31 عاماً من تعليق عمل مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة، وهو ما يكشف حقيقة الدور الوظيفي الإمبريالي لمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها الاستعمارية التجسسية، ومجلس أمن الوصاية الصهيوني الإجرامي.
