في محراب الصمود اليمني، تَتَبَدَّدُ الأوهامُ وتنقشع غشاوة التضليل، إن الحقيقة الراسخة التي حاولوا دائمًا دفنها هي أن المنطقة تشهد الآن مَخَاضَ ميلاد نظام سياسي جديد، لا يرسمه مهندسو أمريكا وكَيان الاحتلال ولا أدواتهم في المنطقة، بل يَفْرِضُهُ محور الجهاد والمقاومة والعزة والكرامة كَقَدَرٍ حتمي.
إن هذا التحول هو الإعلان الصارم عن انسداد الأفق أمام الهيمنة الغربية، وأن المستقبل سيُصَاغُ بدماء غير قابلة للتجمد، وتكتبه إرادَة لا تعرف الانكسار.
ويأتي منبع هذا الزلزال الذي يعيد ترتيب الأوراق من صنعاء الأبية، عاصمة القرار المُسْتَقِلِّ، التي تحولت إلى مصدر رعب وجودي يَهزُّ أركان العدوّ الصهيوني، ويدفعه إلى شَنِّ حملة استباقية هستيرية بكامل أدواته الخبيثة، في محاولة يائسة لوأد فجرها الصاعد وشَلِّ حركتها التحرّرية التي أصبحت تهديدًا فعليًّا لكيانه الهش وللمصالح الغربية في المنطقة.
وفي الميدان العسكري المُشْتَعِلِ، كشف العدوّ الصهيوني عن عُمْقِ تورطه عبر تجنيد وتدريب جيوش من المرتزِقة، وتجاوز الحدود بنقل قادتهم وبعض أفرادهم إلى تل أبيب نفسها، في جلسات تنسيق استخباراتي رفيع المستوى، لوضع اللمسات الأخيرة على أجندة عدوانية مُدمّـرة تستهدف صنعاء قلب الدولة اليمنية.
في السياق ذاته، أشرف العدوّ بفِرَقٍ ووفود عسكرية مباشرة على إدارة معسكرات المرتزِقة في المحافظات المحتلّة، وسارع في تمرير مخطّط التفتيت عبر أدواته السعوديّة والإماراتية لفصل الجنوب قسرًا، والهدف لا يزال واحدًا! تثبيت القبضة على الثروات السيادية اليمنية والممرات البحرية العالمية، في محاولة مَحْمُومَة لاحتواء الطوفان القادم من صنعاء.
ولم تكتفِ هذه القوة اليمنية بِزَلْزَلَةِ أَسَاسات الكيان، بل بَتَرَتْ أوصاله في المدى الاستراتيجي، وأغرقت أساطيله في مياه البحار، مُحقّقةً ما هو أبعد، هَدْمَ منظومة أمانه المُفْتَرَضَةِ، وشَلَّ قدراته على المستويات النفسية، والاستراتيجية، والاقتصادية.
لم تتوقف المؤامرة عند حدود التجنيد التقليدي، بل امتدت إلى تزويد المرتزِقة بآلاف طائرات الدرون، والتقنيات المتقدمة للرصد، وتضمَّنَ الدعمُ تزويدَ المدعو “طارق عفاش” بأنظمة رادارات متطورة لرصد مسارات الصواريخ، ومُنْظُومَاتِ إنذار مبكر تعمل كَعُيُونٍ إضافية للعدو.
وفي ذروة الغباء التكتيكي، حاول العدوّ تزويد عملائه برادارات تشويش لاستهداف الدفاعات الجوية اليمنية، مُتَوَهِّمًا قدرته على شَلِّ هذه القوة الصاعدة، لكنَّ هذا الوهم سرعان ما سقط، فصنعاء اليوم ليست عاصمة الأمس، فقد تحولت إلى قوة عظمى ناشئة، بِيَدٍ أصبحت طويلة جِـدًّا، وتمتلك من القدرات النوعية المُفَاجِئَةِ ما يُنْهِي أي عبث في الأجواء اليمنية.
على الجبهة الناعمة، كشفت صنعاء عن عملية تضليل واسعة قادها قسم “لاڤ” التابع للموساد، عبر إنشاء شبكة هائلة من الذباب الإلكتروني بأهداف متعددة تعمل على تَسْمِيمِ الوعي وتفتيت الصف الوطني، والعمل على بَثِّ الشكوك في القيادة الثورية والسياسية ورجال الميدان.
إن هذه الحملة الشاملة، التي تشمل كذلك شبكات تجسسية داخلية مُتَشَعِّبَة، ما هي إلا دليل على هَوَسِ العدوّ وقلقه الوجودي من صنعاء، التي يُدْرِكُ تمامًا أنها القوة الضاربة التي ستنهي احتلاله، وتُحرّر الأُمَّــة الإسلامية من رِجْسِهِ وفساده.
وبالرغم من استعراض القوة العَقِيمِ، ومُنْظُومَاتِهِ المتنوعة، وتَحَالُفَاتِهِ المُتَدَاعِيَةِ، فَــإنَّ كُـلّ ما يُدَبَّرُ ضد صنعاء، بِمَدَدٍ إِلهي ورجولة نادرة، يَرْتَدُّ كالخنجر في صدر العدوّ.
إنه يُقِيمُ بُنْيَانَهُ على رمال الأوهام لعقود كاملة، فتأتي قوة الإيمان الصادق من صنعاء لِتَنْسِفَهُ وتُسْقِطَهُ في طَرْفَةِ عين، بإرادَة لا تَلِينُ.
هذا الزخم اليمني المُتَصَاعِدُ قد رَسَّخَ نفسه كَمُعَادَلَةٍ إقليمية لا تُجْتَازُ، وهو ما انعكس في شهادة السفير البريطاني الأسبق، الذي اعترف بقوة من أسماهم الحوثيين العسكرية وبعُقْمِ “حكومة الفنادق”، مُطَالِبًا بِإعادة رَصِّ صفوف التحالف المُمَزَّقِ، وهو اعتراف بالفشل الذريع والانهيار التام.
وبينما تَتَهَاوَى أضاليل الشيطان الأكبر أمريكا والكيان الغاصب والغرب الكافر وتَتَعَرَّى أساطير هيمنتهم أمام صلابة الموقف اليمني، فَــإنَّ الصورة تَتَجَلَّى بوضوح لا يَقْبَلُ الرتوش بأن صنعاء اليوم ليست مُجَـرّد عاصمة تُقَاوِمُ، بل هي أيقونة التحدي ونواة التغيير الجذري، تُمَثِّلُ بداية لنظام إقليمي جديد يَنْحَتُ بِعَزِيمَةٍ لا تعرف التَّقَهْقُرَ وإرادَة لا يَكْسِرُهَا الغرور ولا الجبن.
إن كُـلّ ما كُشِفَ من مكائد خبيثة، ومُنْظُومَاتٍ تجسسية مُتَشَعِّبَة، ودعم لوجستي مُذِلٍّ للمرتزِقة، ما هو إلا تَجَلٍّ للهَلَعِ الوجودي الذي أصاب كيان العدوّ الهش، وقد أدركوا مُتَآخرين أنهم يواجهون قوة لا تَسْتَمِدُّ بَأْسَهَا من ترسانة عسكرية فحسب، بل من جَذْوَةِ إيمان مُتَّقِدٍ ومَشْرُوعِيَّةِ قضية لا تُضَاهَى، تلك القوة التي أَرْبَكَتْ بُوصَلَةَ تحالفاتهم وشَطَبَتْ عن خارطة أمانهم كُـلّ ضمانات الوهم.
لقد تَرَسَّخَ اليمن كرقم صعب لا يَقْبَلُ المساومة، ومُعَادَلَةٍ إقليمية لا يمكن تجاوزها، أَو طَمْسِ معالمها تحت وَطْأَةِ التهديد، وإن الزخم الثوري المُنْبَعِثَ من قلب الجزيرة العربية هو تيار جارف سوف يَكْتَسِحُ كُـلّ أدوات الوصاية وأجنحة التبعية.
فليعلم الجميع أن المعركة الفاصلة لم تَعُدْ تدور حول مكاسب تكتيكية، بل حول تثبيت السيادة المطلقة واقتلاع جذور الاحتلال والاستئصال التام لأي وهم بالتحكم في مُقَدَّرَاتِ هذه الأُمَّــة.
صنعاء اليوم تَزْحَفُ، لا بخُطَى المعتدي المُتَبَجِّحِ، بل بخُطَى المنتصر الواثق، حاملة على عاتقها رسالة التحرير لكل شبر مُغْتَصَبٍ، وهذا المسار، المُؤَيَّدُ بالعون الإلهي وتضحيات الأبطال، هو الطريق الأوحد نحو فجرٍ مُشْرِقٍ، حَيثُ يكون اليمن سيد قراره وصاحب كلمته الفصل بل وسيد المنطقة وسلطان البحار والمحيطات.
وإن غدًا لِنَاظِرِهِ لَقَرِيبٌ، يَسْطَعُ فيه نجم اليمن ساطعًا في فضاء العزة والكرامة.
