مقالات مشابهة

حرب السودان.. فشل الوساطات والتدخلات الخارجية تصعّد مواجهات الصراع بين الأطراف وتولّد قلق دولي واقليمي

أوقف الصراع المسلح في السودان مسار مرحلة انتقالية باتت واعدة لانتقال السودان إلى مرحلة جديدة من التحولات الديمقراطية، ودق آخر مسمار في نعش الحكم الفردي والنظام الشمولي، وإن كانت متعثرة أو بطيئة بعد عقود طويلة من الحكم الفردي والظلم والاستبداد الذي عانى منه الشعب السوداني، رسمت ملامح الأمل في التغيير لهذه المرحلة عقب الإطاحة بنظام البشير عام 2019، وارتفعت الآمال إلى عنان السماء في تحقيق الأحلام المؤجلة لعقود.

تقاسم السلطة

وبحماس البدايات جرى توقيع اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، لاحقا تم تمديد الفترة بعد التوقيع على اتفاقيات مع حركة التمرد المسلح، خاصة تلك الناشطة في دار فور، وبحسب الاتفاق تم تشكيل مجلس سيادي يضم المكونين العسكري والمدني، وينتمي الأخير لقوى الحرية والتغيير.

واجهت العملية السياسية مشاكل وتعقيدات كبيرة، ارتفع فيها منسوب التوتر والتباين والاختلاف والتناقض في المواقف في المجلس السيادي بين الطرفين المدني والعسكري، وصاحب ذلك خصومات شخصية، أسهمت في حدة التنافر، واستحالة تقريب وجهات النظر، وأخذ كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر.

حكومة حمدوك هي الأخرى واقعة ضمن حلبة الصراع السياسي، وكانت هي المتصدرة لعناوين الفشل باعتبار غالبية وزرائها من قوى الحرية والتغيير، وبرز على السطح عجزها الواضح في تحقيق الكثير من المسائل السياسة والاقتصادية والأمنية، ووجد العسكر نغمة الوتر في اتهام الحكومة في تسويق الفشل على حمدوك وحكومته.

فيما كان الطرف المدني يرى بأنه من الضرورة استبعاد العسكر عن العملية السياسية، وقد حان الوقت لتسليم السلطة بموجب الاتفاق الدستوري. كان المواطن هو المعني بتفاقم الأزمة، وهو ينتظر ضوءً وبارقة أمل في تحسن الأوضاع المعيشية، وتحقيق نجاح في التفاهمات المشتركة للخروج من المأزق، غير أن الطرفين ذهبا بعيداً عن الآمال المرجوة.

ضربة قسمت ظهر المرحلة الانتقالية

كانت الضربة الأولى الموجعة التي قصمت ظهر العملية الانتقالية، واستبعدت الطرف المدني من المشاركة في الحكم، لاستكمال مسار المرحلة الانتقالية حدثت في أكتوبر 2021 بقرار حل المجلس السيادي، وأعفاء معظم وزراء الحكومة المدنية، واعتقال رئيسها عبدالله حمدوك وعدد من الوزراء.

واعتبر المكون المدني هذه الإجراءات انقلاباً على الدستور، والاتفاقات السابقة، وهو بمثابة إلغاء لمسار المرحلة الانتقالية، الذي يهدد البلد بالفوضى الأمنية. ولم يغادر الشارع ساحات الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية، إلى أن أعيد إحياء أمل الانتقال للحكم المدني بتوقيع اتفاق الشراكة مع البرهان في ديسمبر 2022.

إلا أن الخلافات ظلت على أشدها، وقدم حمدوك استقالته في 2 يناير/كانون الثاني 2022 ، لتضع الأزمة في السودان على مفترق طرق، كما يقول بعض المراقبين، الذين يرون أن الاستقالة ربما تؤدي إلى انزلاق السودان إلى صراع ربما لاتعرف مآلاته، في وقت تعتبر فيه بعض القوى السياسية، المحركة للشارع في السودان، وعلى رأسها تجمع المهنيين السودانيين، أنها لن تخلو من الإيجابيات، وأنها فتحت الطريق واسعاً أمام الثورة السودانية على حد قولهم بعيداً عن حديث الشراكة مع العسكر.

وكان واضحاً في كلمة حمدوك، التي ألقاها عبر التليفزيون السوداني الرسمي، والتي أعلن فيها استقالته، وتحذيره من مخاطر المستقبل، إذ قال إنه اتخذ قراره بعد أن فشلت مساعيه الأخيرة، ولقاءاته مع الشرائح والمكونات السياسية المختلفة، للتوصل إلى توافق سياسي يجنب البلاد الانزلاق نحو ما وصفها “بالفوضى وعدم الاستقرار”.

واعتبر محللون سياسيون في السودان، أن استقالة حمدوك من منصبه، كانت بمثابة الأمر الحتمي، رغم الجهود التي بذلتها أطراف محلية ودولية، لثنيه عن قرار استقالته، ويرى هؤلاء أن بقاء الرجل في منصبه، كان في حكم المستحيل، خاصة بعد اتفاق الشراكة الذي وقعه مع قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، في العشرين من نوفمبر 2021.

وكان هذا الاتفاق، قد لقي رفضاً واسعاً من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي الكتلة المدنية الرئيسة التي قادت الاحتجاجات المناهضة لعمر البشير، ووقعت اتفاق تقاسم السلطة، في العام 2019 مع الجيش، كما لقي رفضاً أيضاً من تجمع المهنيين السودانيين، الذي وصفه بأنّه “خيانة لدماء الشهداء”، وأكد أنه “مرفوض جملة وتفصيلًا”، واصفا إياه بأنه “انتحار سياسي” لرئيس الوزراء حمدوك.

ويبدو أن دخول حمدوك في اتفاق مع المكون العسكري، مثل بداية النهاية لدوره الذي قاده بمهارة، في إحداث تحول هادئ في السودان، إذ يعتبر محللون أن الرجل لم يتمكن، من حشد دعم شعبي لاتفاقه مع عبد الفتاح البرهان، في وقت فقد فيه دعم القوى السياسية المؤيده له في الشارع، والتي اعتبرت الاتفاق “محاولة لشرعنة الانقلاب”، وتعهدت بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل.

الاتفاق بتأسيس سلطة مدنية خلال فترة انتقالية مدتها عامين، سرعان ما تحطم التساؤل القصير عقب الاتفاق على صخرة الخلافات بين رئيس المجلس الانتقالي والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو بشأن دمج قوات الدعم مع الجيش.

ووصلت مساعي التقريب بين الطرفين إلى طريق مسدود ليتفجر البارود لهباً وناراً تأكل كل ما تحقق في المراحل السابقة، وتهدد مستقبل السودان الذي بات على مفترق طرق.
ومع اندلاع القتال يعاد طرح الأسئلة القديمة هل ممكن أن تنتقل السلطة إلى المدنيين ومتى ؟
أسئلة تبقى عالقة ما بقي صوت الرصاص مسموعاً، وأحلام مؤجلة إلى ما بعد انتهاء تلك الجولة من القتال إن كان لها أن تنتهي …!

فشل الوساطات

الأحداث الكارثية في السودان، تنذر بمخاطر كبيرة، هناك قوى محلية وإقليمية ودولية لن تترك السودان يتنفس الصعداء، لينال حريته واستقلاله، يبدو أنه ذاهب نحو سيناريو التدمير، ودخول البلد بحرب أهلية، مؤشراتها تسير نحو هذا المنزلق. ومنذ بدء الاشتباكات السبت 15 أبريل الجاري، لا تزال دوي الانفجارات والاشتباكات في العاصمة الخرطوم وبحري ومروي، على الرغم من الإعلان عن هدنة إنسانية من المفترض أن تستمر 24 ساعة ولم يتم الاستجابة لهدنة هشة.. وكان الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش قد دعا أطراف الصراع لهدنة لمدة 3 أيام خلال إجازة عيد الفطر المبارك.

وهناك جهود حثيثة تبذل لقادة المنطقة لمحاولة التوسط، وإنهاء الاقتتال بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، كما يأمل الاتحاد الإفريقي أن يشكل وقف اطلاق النار، إتاحة الفرصة لقادة كل من جيبوتي وكينيا وجنوب السودان بالوصول إلى الخرطوم للتوسط بين طرفي النزاع. البرهان يرفض أي تفاوض مع قوات الدعم السريع ويقول: ” لا تفاوض ولا حوار مع قوات الدعم السريع، إلا على أساس التسليم الكامل، أو التحطيم الشامل. وحتى الآن فشلت جهود الوساطة الدولية لتهدئة النزاع، من جانبها أعلنت الأطراف المتصارعة الموافقة على الهدنة لثلاثة أيام.

تصعيد الصراع

القوى التي لها مصالح وأجندات جيوستراتيجية في السودان، لا تريد إنهاء الصراع، ولعل الجميع يتذكر كيف ألغت واشنطن والعواصم الغربية العقوبات المفروضة على السودان، بعد انقلاب 11 أبريل/ نيسان 2019، فقد رفعت اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب بعد إطاحة البشير، مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني، ذلك هو الحلقة الأهم في تآمر العسكر في الخرطوم، ليس فقط ضد الشعب السوداني، بل ضد العالم العربي بصورة عامة.

وما لعبته تلك النخب العسكرية بتقديم الدعم السوداني للتحالف السعودي – الإماراتي على اليمن، فضلاً عن العلاقات الوثيقة مع الكيان الصهيوني في المجالين العسكري والاستخباري، وهو ما يستغله الكيان الصهيوني في مخططاته ومشاريعه في المنطقة، خاصة في الشمال الإفريقي العربي وإفريقيا بصورة عامة، وأيضاً السودان، نظراً لما تحتله من موقع استراتيجي على البحر الأحمر.

بالإضافة إلى تأثيره المباشر على جواره الإقليمي الذي لا يخلو من التوترات الداخلية والنزاعات الاقليمية، وهو ما يجعل من تداعيات أحداث السودان ذات تأثير على الأمن الإقليمي للمنطقة. وهنا يأتي الحديث عن الدعم الإماراتي لدقلو في مقابل الدعم السعودي للبرهان، وعلاقة المؤسستين العسكرية والاستخبارية السودانيتين بـ”تل أبيب” ليطرح عدداً من التساؤلات بشأن التوقيت الزمني للأحداث الأخيرة في السودان.

ويبدو أن هذه الأحداث لها علاقة باستقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وردم التصدعات، بالتطورات الأخيرة في المنطقة، وأهمها إستعادة تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية ودور روسي خلف الكواليس. هذا بالإضافة إلى مساعي الانفتاح العربي على دمشق، وتسعى “تل أبيب” لعرقلة ذلك، وهو ما تفعله قطر حليفة تركيا، وأطراف عربية أخرى مثل المغرب حليف “تل أبيب” التقليدي.

تطبيع هذه العلاقات ألقت بظلالها على سوريا والعراق ولبنان واليمن. أمريكا وفرنسا لا تخفيان قلقهما وانزعاجهما من الدورين الروسي والصيني في الشرق الأوسط، وفي القارة السمراء، وهو ما دفع الرئيس ماكرون إلى زيارة بكين، وعاد برؤى وتصورات أغضبت أمريكا وبعض الحكومات الأوروبية، بعد دعوته قادة أوروبا، حول مسائل استراتيجية تتعلق باستقلال أوروبا عن التبعية الأمريكية، والحد من الاعتماد على الدولار في التجارة الخارجية، وتعزيز العلاقات مع الصين وغيرها من القضايا.

التدخلات الخارجية

لم تكن العواصف التي تضرب السودان ببعيدة عن التدخلات الأمريكية الصهيونية، والإقليمية بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، لتعطيل مسار انجاز واستكمال المرحلة الانتقالية، كان العسكر هم أدوات هذا الصراع، لاستهداف أولاً إنهاء العملية السياسية، وضرب المكون المدني عن المشاركة في الحكم، وثانياً الاقتتال المسلح على السلطة والنفوذ. وفيما الطرفان يتقاتلان بشراسة، تنتظر الأطراف المعنية بإشعال الفتيل كفة الغلبة لمن ستؤول؟

هناك أطراف تراهن على الجيش، وهناك من يراهن على الدعم السريع، وحتى الآن ليس هناك طرفاً من يستطيع حسم الموقف، وفي حال غياب عنصر الحسم السريع فإن البلد مقبلة على سيناريوهات مختلفة أبرزها الحروب الداخلية لفكفكة السودان، ومن المرجح فصل شمال غرب السودان دار فور، مثل ما حدث مع جنوب السودان.

المنسق للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض يقول أن الولايات المتحدة تدرس مسألة الفصل بين القوات بإدخال قوات أمريكية للسودان، وإذا ماتم ذلك، فإن الولايات المتحدة لها علاقة مباشرة بالأحداث الدائرة لتنفيذ أجندات احتلالية، ومد نفوذها إلى منطقة البحر الأحمر، وإلى إفريقيا.

تصعيد المواجهات

ما زال القتال العنيف في السودان مستمراً، منذ اشتعال فتيل الأزمة، بالرغم من الإتفاق على الهدنة النسبية، فقد اشتدت الاشتباكات، في منطقة جنوب المطار الدولي بالخرطوم، ومدينة الخرطوم بحري وأم درمان، كما اندلعت اشتباكات مسلحة في شمال البلاد، في منطقة كفوري، وفي الغرب في دارفور وحول بورتسودان على البحر الأحمر، وأيضاً في مروي.

تقول المصادر الطبية أن عدد الضحايا يرتفع مع مرور كل دقيقة، وحتى الآن بلغ عدد القتلى إلى 270 فرداً، وإصابة أكثر من 2600 شخص، لكن هذا العدد مرشح للارتفاع بحكم استمرار الاشتباكات، وأن بعض المشافي خرجت عن الخدمة بحكم تعرضها للقصف في مناطق الاشتباكات، فيما هناك عجز عن استيعاب المصابين والحالات الحرجة في بقية المشافي، وتشهد مناطق الاشتباكات انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وصعوبة الحركة، وحتى اسعاف الجرحى.

وعلى الأرجح، سوف يمر مزيد من الوقت قبل تحديد الجانب الأقوى. ومن المستبعد أن تكون هناك بين الجيش وقوات الدعم تكافؤ في ميزان القوى العسكري، فالجيش السوداني يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة وقوى بشرية كبيرة. مقابل اقتصار قوات الدعم على الأسلحة المتوسطة و100 مقاتل ينتشرون في ولايات ومناطق عدة.

لكن من المرجح أن ينتقل الصراع إلى أشكال مختلفة من المواجهات، ما يجعل من المشهد أحد مخاطر النزاع، الذي يمكن أن يمتد في الزمن، ولا يُحل في غضون أيام، وبعد ذلك قد تستمر الحرب، كما في سوريا أو ليبيا أو اليمن لسنوات طويلة. بيد أن ما يجري هو تنفيذ سيناريو كلاسيكي قياسي في العالم الثالث، مرتبط بتنفيذ أجندات القوى الاستعمارية، وإن كان عنوان هذا الصراع يتمحور حول الصراع على السلطة بين عسكريين رفيعي المستوى متشابهين في آليات التفكير، كانوا يثقون إلى حد كافٍ مع بعضهم البعض، حتى زمن قريب.

إلا أن الاتفاق الإطاري تمثله النخبة السياسية التقليدية، لم يصل بهما إلى الالتئام، ولم يكن إلا محطة في حساب المصالح، التي ألغت فكرة دمج قوات الدعم السريع بالجيش الوطني، الذي تعطل بسبب اشتراط البرهان دمجها خلال عامين، بينما يرفض دقلو ويشترط عشر سنوات، وهذه النقطة الجزئية كانت واحدة من نقاط الخلاف، التي شكلت خطراً حقيقياً على مستقبل السودان، بفعل استناد الطرفين إلى حاضنة في الداخل ودعم قوى دولية وإقليمية، أوصلت الأمور إلى الصدام المسلح بين الطرفين.

قلق دولي واقليمي

أثار الصراع في السودان قلق العديد من الدول، بما فيها روسيا والصين، والبلدان العربية والإفريقية والأوروبية والآسيوية، وحتى دول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى العديد من المنظمات، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي… إلخ. والجميع يطالبون الطرفين بوقف إطلاق النار فوراً والعودة إلى حالة ما قبل 15 أبريل، لكن أطراف الصراع السوداني لا تهتم كثيرًا بهذه الدعوات والمطالب، فهي مشغولة بمسألة أكثر أهمية بالنسبة لها وهي الاستيلاء على السلطة.

وخلف هذا المشهد تقف القوى الخارجية لاستمرار الصراع، وتأجيج جذوته لمزيد من المذابح ونزيف الدم في السودان البلد المغرق بالفقر والأوضاع السيئة، وعدم وجود البنية التحتية الأساسية في مناطق واسعة، واعتماد معظم السكان على زراعة الكفاف تضمن الكثير من السكان البقاء في أو تحت خط الفقر في معيشة المجتمع، وهو الامر الذي زاد من مضاعفة مأساته الإنسانية، رغم ما يمتلكه هذا البلد من ثروات كبيرة، فالفساد ضارب بجذوره في أبنية وهياكل الدولة.

بالاضافة إلى وجود طبقة أوليغارشية باسطة سيطرتها على الثروة والتجارة لمصالحها الخاصة. أي أن البلد ممزق من الداخل بسبب صناعة الفقر، رغم أنه قطرٌ شاسع وغني بالموارد الطبيعية، الزراعية بالأراض الخصبة، والثروة الحيوانية، والمعدنية، والنباتية، والمائية.

والاعتماد الرئيس للسودان هو الزراعة، إذ تشكل 80% من نشاط السكان. ويعتمد أيضًا على الصناعة، وخصوصًا الصناعات الزراعية. ويمكن أن تكون السودان خزاناً غذائياً في إمداد الحبوب والقمح إلى دول أخرى، وهناك مناجم الذهب، والمعادن الأخرى، والثروة السمكية، بالإضافة إلى إطلاله على البحر الأحمر ما يجعله نقطة تجارية مع دول الجوار والعالم الخارجي.

ذهب السودان

الخطر الاقتصادي، لا يقل شدة على ثروات السودان الطبيعية الهائلة والمتفلتة عن سلطة الدولة التي تقوضها النزاعات، وعلى رأسها الذهب وتصدير النفط، إذ أن الحرب الحالية، لم تخلق أزمة السودان الاقتصادية التي تتفاقم منذ سنوات من دون أي أفق للحل، مع معدل تضخم سجل 422.78 في المائة في يوليو تموز 2021، لكنها باتت تهدد بتأجيجها.

يقول السياسي والخبير في الشؤون السودانية محمد فاروق:” إن الثروات في السودان، ومن أبرزها الذهب والنفط والإنتاج الزراعي والحيواني، في خطر شديد جراء الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد. وتتركز مناجم الذهب في منطقة “قبقبة” في شمال البلاد بالإضافة إلى “جبل عامر” الغني بالذهب في منطقة دارفور في الشمال الغربي ويسيطر عليها الجيش الوطني، فيما هناك موارد تعدينية أخرى أصبحت خارجة عن سيطرة الدولة، ما يسهل النشاطات غير الشرعية.

ويعد الذهب أحد النقاط الملتهبة على خارطة الصراع، وقد بلغ أعلى صادراته في العام 2021، 2.85 مليار دولار، وجاء بعده النفط الخام الذي بلغت قيمة صادراته 395 مليون دولار، وبالتالي فإن المعارك تؤثر أيضاً على الصادرات المستوردة عبر الميناء البحري الوطني المتدهور أساساً بسبب ضعف البنية التحتية في المرافق، والتي قد تتدهور أكثر بسبب الاشتباكات الحالية”. وأشار الخبير السوداني إلى أن الإنتاج المحلي والإمدادات الطبية توقفت أيضاً مع غياب للعمليات البنكية. وقال بأن “العمليات اللوجستية في السودان توقفت عن العمل، والإمدادات في السودان تعتبر واسعة بسبب مساحة البلاد الهائلة وأهمها المواد الطبية التي تعرقلت إمداداتها بسبب الاشتباكات”.

نفط الشمال والجنوب

تأثر تصدير النفط الخام الوقع تحت ضغوط النزاعات الحالية. وينتج السودان نحو 60 ألف برميل يومياً من النفط، بينما ينتج جنوب السودان 125 ألف برميل يومياً، ويصدر الجنوب نفطه عبر خطي أنابيب يمران عبر الشمال.
وأوضح الخبير في الشؤون السودانية أحمد مصطفى أن “مواقع حقول النفط في السودان وبنيتها التحتية هي من المواقع الاستراتيجية التي يسعى طرفا الحرب للسيطرة عليها، ما يجعلها هدفاً استراتيجياً للأطراف المتنازعة.

أما لوجستياً، فأوضح مصطفى أن “الحرب قطعت كل الطرق البرية والجوية تماماً بين الحقول في الجنوب والخرطوم وميناء بورتسودان، والإمدادات متوقفة تماماً الآن بسبب الحرب، وما تمتلكه الشركات في مخازنها قد لا يكفي العمل في الحقول لأمد طويل، ما يقرع ناقوس الخطر”.

ولفت إلى أن توقف تصدير النفط بسبب الحرب قد يخل بالميزان التجاري للاقتصاد السوداني المترنح في الأساس، مسبباً مزيداً من العجز التجاري، ما سيؤدي لعواقب وخيمة أخرى كارتفاع معدلات التضخم والبطالة.